يفتتح بيان حزب الله مرحلة جديدة في استجابة الحزب للانتهاكات الصهيونية للقرار 1701، هو رسالة للعدو الصهيوني، بالدرجة الأولى، أن ما بعد البيان ليس كما قبله.
وتكمن أهمية البيان في قراءة العدو الصهيوني له وكيفية الاستجابة، وتاليًا ماهية استجابة المقاومة. هي رسالة إنذار مبطّن بامتياز بما تمثّله من وثيقة رسمية تعبّر بصراحة عن رؤية حزب الله للمرحلة المقبلة؛ يتوقّف عليها عناوين جديدة في تعامل الحزب مع سياسة الانتهاكات والاعتداءات. وتجتمع العناوين والسياسات الجديدة تحت مسمى: "الاقتراب من الخط الأحمر"، وعنده لا يمكن العودة للوراء.
الرسالة واضحة الدلالة في إلقاء الحجة وتحصيل المشروعية من الدولة والأطراف في الداخل، وتحضير المجتمع الشيعي لحيثيات المرحلة بخصوصيتها. ولعل من أبرز النقاط الواردة في البيان التي تحدد خارطة الطريق المستقبلية، التي يمكن التوقف عندها، هي:
- الهوية الوطنية وحسّ المسؤولية العالي في ضرورة المشاركة والصراحة والشفافية مع شركاء الوطن: السلطات والشعب.
- رسالة يقظة وعدم الغفلة عن مخططات العدو والإرادة للتعامل مع النهج العدواني المستمر.
- التأكيد على أن التفاوض الذي لا يخدم إلا العدو ومصالحه على حساب الوطن وأبنائه، ما هو إلا تنازل واستسلام وذل وعار.
- وصول العدو إلى مرحلة الذروة في اللامبالاة بكل المسار الدبلوماسي، والتصعيد بمحاولة فرض مكاسب جديدة، وصولًا إلى مرحلة الابتزاز والتهديد لاستدراج لبنان وفق شروط ضعيفة إلى طاولة المفاوضات.
- البيان فيه من الجرأة لتسمية الأمور بمسمياتها حين وصّف قرار حصرية السلاح بالقرار "المتسرع للحكومة"، في إشارة إلى مسؤولية الحكومة، وثمن مسار "حسن النية" مع عدو لا أمان له ولا ضمان.
- وضوح الموقف ورسوخه: موضوع نزع السلاح من كل لبنان: غير شرعي وغير مقبول ولا يمكن للعدو فرضه.
- العقلانية والواقعية السياسية في تجديد التأكيد على الإطار الوطني للتباحث في موضوع حصرية السلاح والبحث عن استراتيجية شاملة للأمن والدفاع وحماية السيادة الوطنية، وعدم الخضوع لأي "طلب أجنبي أو ابتزاز إسرائيلي".
- كسر البيان لإطار الاستهداف الصهيوني الذي يقيّد تفكير بعض الساسة في الداخل: الهدف الصهيوني أكبر من مجرد استهداف حزب الله وحده، فهو فرض الإذعان لسياساته ومصالحه في لبنان والمنطقة، ما يجعل لبنان الوطن بكل مكوناته عرضة للاستهداف لانتزاع كل قدرة موجودة على رفض المطالب الابتزازية للكيان الصهيوني.
- التحذير من التفاوض المطروح في وضع تفتقر فيه الدولة لأوراق القوة ما يعطي العدو المزيد من المكتسبات.
- طبيعة العدو العدائية والوحشية التي ظهرت خلال عامين من الحرب في غزة ولبنان والمنطقة تدل على عدم فعالية أي مناورة معه أو تدوير للزوايا واستمرار اللعب على حافة الهاوية، لأنه لن يتوقف عن التصعيد.
- رفع درجة تعبئة الدور الدبلوماسي للبنان لدفع العدو بدوره للالتزام بتنفيذ إعلان وقف النار، وهنا يظهر بوضوح موضوع إلقاء الحجة.
- يحمل رسالة طمأنة للدولة والسلطات عن وضعية حزب الله إذ لا حاجة أو ضرورة على الإطلاق للخضوع لعملية الابتزاز العدواني والسماح للعدو باستدراج الدولة نحو تفاوض سياسي معه على الإطلاق، لا تخدم إلا رفع المخاطر الوجودية المهدّدة للكيان اللبناني وسيادته.
- حدد البيان دور الحزب وجهوزيته كحق مشروع في مقاومة الاحتلال والعدوان لا تحت عنوان قرار السلم أو قرار الحرب، بل حق الدفاع ضد عدو يفرض الحرب على بلدنا ولا يوقف اعتداءاته بل يريد إخضاع دولتنا.
اليوم، جاء البيان في مرحلة حساسة في ظل تصعيد العدو الصهيوني تهديداته على لبنان ما يجعل الدولة بأكملها أمام استحقاق وطني لخطورة الموقف وحدّة المسار المقبل وانعطافاته المكلفة. البيان رسالة بمثابة للعدو قبل الداخل، فهو يأتي في سياق دفع العدو إلى إعادة التفكير في نتائج أي خطوة مستقبلية وارتفاع التكلفة، لا على لبنان وحده، بل على العدو أيضًا، لأن الحزب لن يقبل في المرحلة المقبلة ببقاء المعادلة على ما هي عليه الآن، أقلّها لجهة البدء بتنفيذ مرحلة الدفاع المشروع. وعليه، البيان يشكّل محطة فاصلة في مسار المقاومة ما بعد حرب أيلول العام 2024، حيث تتصاعد درجة تبادل الرسائل مع العدو حول الجهوزية والجرأة والاضطرار، وخطوات ما بعد البيان، سواء من المقاومة أو العدو، هي الفصل والحكم.