في خضمّ عامين من الصراع المتواصل، تبدّل المشهد الإسرائيلي والإقليمي والدولي بصورة جذرية، وأفرزت الحرب تحولات سياسية واستراتيجية عميقة أعادت رسم خريطة الشرق الأوسط وموقع "إسرائيل" داخله. برزت الحرب كمرآة لأزمة الكيان البنيوية، وكحدث مفصلي كشف حدود القوة العسكرية في مواجهة التعقيدات الجيوسياسية والاجتماعية.
يتناول المقال من إصدار معهد الأمن القومي الإسرائيلي، وترجمة موقع الخنادق، مرحلة ما بعد الحرب التي عاشتها إسرائيل خلال العامين الماضيين، بوصفها فترة مفصلية أعادت تشكيل مكانتها في العالم والمنطقة، وفرضت عليها واقعًا جديدًا على المستويين السياسي والعسكري والاجتماعي. يقدّم المقال تحليلًا شاملًا للأحداث الرئيسية والتغييرات التي أحدثتها الحرب، وينتهي بجملة من التوصيات لصياغة سياسة إسرائيلية جديدة تتلاءم مع التحولات الحاصلة.
يبدأ المقال بعرض الأهداف التي وضعتها القيادة الإسرائيلية للحرب: القضاء على حماس، وتفكيك بنيتها العسكرية، واستبدال نظامها السياسي في غزة، مع إضافة هدف لاحق يتعلق بعودة المختطفين. ويستعرض المراحل الأربع للخطة التي أُقرت: من التحضير والمناورة إلى محاولة تحقيق الحسم العسكري، ثم إيجاد بديل مدني لإدارة القطاع، وصولًا إلى مرحلة الاستقرار الأمني. غير أن المقال يبيّن كيف تعثرت هذه المراحل، وفشلت إسرائيل في تنفيذها وفق الجداول الزمنية المحددة.
ينتقل المقال إلى تحليل الحرب ضمن ثلاث دوائر مترابطة:
- الدائرة العالمية التي وضعت الحرب في إطار صراع بين "العالم القائم على القواعد" بقيادة الولايات المتحدة، وبين القوى المناهضة له مثل روسيا وإيران وحماس.
- الدائرة الإقليمية التي مثلت مواجهة بين ما يسمى القوى المعتدلة الساعية إلى الاستقرار، والعناصر "المتطرفة" بقيادة إيران.
- الدائرة المحلية، وهي ساحة المواجهة المباشرة بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة.
ويخصّص المقال جزءًا واسعًا لتأثير الحرب على مكانة إسرائيل الدولية. فيشير إلى التحول الكبير في الرأي العام العالمي الذي نقل إسرائيل من موقع "الضحية" إلى موقع "الجلاد"، وإلى التدهور التدريجي في علاقتها بالولايات المتحدة وأوروبا، خاصة بعد أزمة رفح وتأخر العمليات الميدانية. يبرز المقال كذلك ثلاث محطات أساسية عمّقت هذا التدهور: الخلاف مع إدارة بايدن بسبب عملية رفح، انتهاك الاتفاقيات بعد إطلاق الرهائن وعودة القتال، والفشل في إدارة "الحرب المعرفية" أمام اتهامات "التجويع المتعمد" في غزة.
كما يتناول المقال الأثر الداخلي للحرب على المجتمع الإسرائيلي، حيث تعمّق الانقسام السياسي والاجتماعي بين معسكرات متنافسة حول أهداف الحرب وسبل إنهائها، إلى جانب تزايد انعدام الثقة بين الجمهور ومؤسسات الحكم. ويشير إلى أن قضية الرهائن والنقاش حول "اليوم التالي لغزة" عزّزا هذا الاستقطاب وأضعفا تماسك الجبهة الداخلية.
وفي الإطار الإقليمي، يبيّن المقال أن الحرب ساهمت في إضعاف المحور الشيعي بقيادة إيران، مقابل صعود محورٍ سنيّ–إخواني مدعوم أمريكيًا، خصوصًا من قطر وتركيا، ما غيّر موازين القوى في الشرق الأوسط. كما يؤكد أن تدويل الصراع الفلسطيني ووجود قوات دولية في غزة شكّل تحولًا استراتيجيًا يقيّد حرية إسرائيل في العمل العسكري.
وفي الختام، يدعو المقال إلى صياغة سياسة أمن قومي جديدة تتلاءم مع التغيرات الدولية والإقليمية، وإلى الاستفادة من دروس الحرب لإعادة بناء الوحدة الداخلية. لكنه يلاحظ في الوقت نفسه أن المناخ السياسي القائم عشية الانتخابات المقبلة لا يُبشّر بتحقيق هذا التحول، بل يُنذر باستمرار الانقسام وتفاقم الصراع الداخلي على الرواية والمسؤولية.
النص المترجم للمقال
تحليل الأحداث الرئيسية للحرب، والتغييرات التي أحدثتها - وتأثيرها على إسرائيل والمنطقة والنظام الدولي
لقد مرّ عامان مضطربان، وهما من أهم الفترات في تاريخ دولة إسرائيل، ورغم أنه من السابق لأوانه تحليل معظم عواقب الحرب، ورغم أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت قد انتهت، إلا أن ثمة حاجة إلى تلخيص أولي. حتى لو استؤنف القتال، فمن المستحسن أن يكون مختلفًا، وأن تتكيف الحملة القادمة مع الظروف الجديدة التي يجب فهمها.
تحلل هذه المقالة وتلخص الأحداث الرئيسية والتطورات الهامة للحرب، وتشير إلى التغييرات الرئيسية التي أحدثتها الحرب: 1) تقويض مكانة إسرائيل الدولية وزيادة كبيرة في معاداة السامية في جميع أنحاء العالم؛ 2) صعود مكانة الحرب في العلاقات الدولية؛ 3) إضعاف المحور الشيعي وصعود محور الإخوان المسلمين السنة إلى موقع مؤثر، بدعم من الولايات المتحدة؛ 4) تدويل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ 5) الاستقطاب المتزايد في الساحة السياسية الاجتماعية الإسرائيلية.
كيف أثّرت الحرب على إسرائيل والشرق الأوسط والساحة العالمية؟ في أي سياقات كانت هناك إخفاقات؟ ما هي النجاحات والإنجازات؟ تُشير هذه المقالة إلى التغييرات الخمسة الرئيسية التي أحدثتها الحرب، وتُختتم بتوصيات لصياغة سياسة إسرائيلية تتكيف مع هذا التغيير الخماسي.
في البداية، حددت القيادة السياسية الإسرائيلية عدة أهداف للحرب، أهمها استبدال نظام حماس ("تدمير القدرات الحكومية") وتفكيك المنظومة العسكرية للمنظمة ("تدمير القدرات العسكرية"). بعد بضعة أيام، أُضيف هدف يُركز على إعادة المختطفين ("تهيئة الظروف لعودتهم"). أدى رفع مستوى الإنجازات المطلوبة إلى الموافقة على خطة حرب مطولة. وتضمنت الخطة التي أقرها مجلس إدارة الحرب حملة طويلة من أربع مراحل:
- المرحلة الأولى: التحضير للمناورة – الجهد الناري الدفاعي وتجهيز القوة للعمل – والتي ستستمر لمدة شهر.
- المرحلة الثانية: القرار العسكري ـ وكان التعريف المكتوب هو "تفكيك" الجناح العسكري لحركة حماس ـ والتي من المقرر أن تستمر ثلاثة أشهر.
- المرحلة الثالثة: الاستمرار في تآكل ما تبقى من القوة العسكرية لحماس (القوات الحربية المتفرقة) وفي نفس الوقت تقديم حكومة بديلة كعنوان مدني لقطاع غزة - تسعة أشهر.
- المرحلة الرابعة: مأسسة السلطة المدنية البديلة في غزة والعودة إلى الاستقرار الأمني – وتستمر لمدة 12 شهراً.
لقد تم تعريف الحرب نفسها بأنها حرب في ثلاث دوائر:
- الدائرة العالمية – كجزء من حرب بين العالم القائم على القواعد، بقيادة الولايات المتحدة، ضد القوى المخالفة للقواعد والقوى العدوانية، مثل روسيا وحماس.
- دائرة الشرق الأوسط – حرب القوى المعتدلة التي تتوق إلى الاستقرار ومستقبل أفضل، ضد العناصر المتطرفة بقيادة إيران.
- الدائرة المباشرة هي الحرب على الساحة الفلسطينية بين إسرائيل وحماس.
إن وقف إطلاق النار وبدء تطبيق الخطة التي وضعتها الإدارة الأمريكية لإنهاء الحرب (خطة العشرين نقطة) يُتيحان، بعد عامين، دراسة التغيرات التي طرأت على دوائر الحرب الثلاث. يُعدّ هذا الفحص أساسيًا لصياغة استراتيجية لمواصلة الإبحار في بحر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المشتعل، والشرق الأوسط المتغير، والنظام العالمي الذي يشهد بدوره اختلالًا متسارعًا.
الساحة العالمية
من بين القطاعات الرئيسية والبارزة في الرأي العام العالمي، أصبحت إسرائيل "الجانب السيئ" من الأحداث، وجزءًا من "الأشرار"، إلى جانب روسيا. من ناحية أخرى، أصبح الفلسطينيون جزءًا من "الأخيار"، المظلومين والمضطهدين الذين تعرضوا للهجوم، مثل أوكرانيا. كان التحول في الرأي العام من وضع الضحية إلى وضع "الجلاد" سريعًا ومحبطًا للغاية. في الوقت نفسه، كان التغيير في سياسات الحكومات حول العالم تجاه إسرائيل بطيئًا نسبيًا، وتطور بشكل سلبي في أعقاب ثلاثة أحداث رئيسية سيتم تفصيلها بإيجاز:
١. أهمية الدعم القوي: تسبب تأخير هجوم رفح في أزمة بين الحكومة الإسرائيلية وإدارة بايدن، وكان أهم نقطة تحول في الحملة على غزة. يمكن استخلاص ثلاثة دروس مهمة من هذا الحدث: أهمية وتيرة الإنجازات التكتيكية على المستوى الاستراتيجي، وضرورة وضوح وتناغم هدف الحرب، والجانب الشخصي - لا ينبغي إهانة رئيس، وخاصة رئيس الولايات المتحدة.
وتيرة التركيز والإنجازات: وفقًا للجدول الزمني (الذي كان مألوفًا لإدارة بايدن)، كان من المقرر أن تنتهي المرحلة الصعبة من الحرب (المرحلة ب) بحلول فبراير 2024، وأن تبدأ المرحلة ج التي طال انتظارها (والتي تتضمن إدخال عنوان مدني لإدارة غزة - "اليوم التالي" باللغة العامية). عمليًا، تأخرت عملية رفح كثيرًا. من بين أسباب أخرى، المحاولات المتكررة للقضاء على زعيم حماس يحيى السنوار، المتمركز في عمق الأرض في خان يونس، ونقل الفرقة التي كان من المقرر دخولها إلى رفح إلى لبنان. (نُقلت الفرقة 36 إلى مهمة دفاعية في قطاع الحدود الشمالي في فبراير 2024، على ما يبدو بسبب الرغبة في تخفيف قوات الاحتياط). كل هذه التأخيرات قوضت ثقة الولايات المتحدة في عزم إسرائيل على تنفيذ قرار حماس بسرعة.
هدف الحرب: كان الموعد النهائي الأصلي لتطبيق آلية "اليوم التالي" (المرحلة ج) هو نهاية يناير/كانون الثاني 2024. انقضى هذا الموعد دون حتى مناقشة السؤال الجوهري: من سيستلم السلطة المدنية في قطاع غزة؟ كان رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي مناقشة مسألة "اليوم التالي" حتى القضاء التام على حماس مخالفًا لرأي معظم الوزراء في الحكومة التي تدير الحرب. بعد أن طالب اثنان منهم بذلك علنًا وكتابةً، ورُفض طلبهما، ثارت الشكوك في الإدارة الأمريكية حول الهدف الحقيقي للحرب. تجدر الإشارة إلى أن كبار الوزراء في الائتلاف أدلوا بتصريحات عبّرت عن أهداف مختلفة عن تلك المحددة كأهداف للقتال (طرد سكان قطاع غزة، وضمه، والاستيطان الإسرائيلي على أراضيه).
إهانة شخصية من الرئيس بايدن: كانت عملية رفح هي ما تسبب في توتر كبير بين الحكومتين الإسرائيلية والأمريكية. عارضت الإدارة العملية بسبب مخاوف بشأن وقوع خسائر بشرية واسعة النطاق بين المدنيين، وإغلاق طرق الإمداد إلى قطاع غزة من مصر، وعدم استعداد إسرائيل (حسب فهمها) لتوفير الظروف الأساسية لمن تم إجلاؤهم من رفح (الخيام والمياه والصرف الصحي والخدمات الطبية). حتى أن الإدارة هددت بأن العملية ستكون لها "عواقب" وطالبت ألا تتفاجأ إذا كانت إسرائيل تنوي تنفيذها. على الرغم من ذلك، بدأت العملية بشكل مفاجئ. العواقب: أمر الرئيس بايدن بوقف شحن القنابل التي تزن طنًا واحدًا وأوقف توريد الجرافات الثقيلة لجيش الدفاع الإسرائيلي. كما أشارت هذه الخطوة إلى دول أخرى في العالم إلى اتجاه نحو تغيير سلبي في العلاقات مع إسرائيل.
٢. دلالة انتهاك الاتفاقيات - الدخول في عملية "عربات جدعون": مع بداية الولاية الثانية لدونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة، تم التوصل إلى الاتفاق الثاني لإطلاق سراح الرهائن. اعتبر الكثيرون حول العالم هذا الإنجاز بمثابة نهاية للحرب. إلا أن الحكومة الإسرائيلية قررت عمليًا عدم مواصلة المفاوضات بشأن المرحلة التالية من الاتفاق، فانفجر. وفُسِّرت العودة إلى القتال حول العالم (وضمن شرائح واسعة من المجتمع الإسرائيلي) على أنها دليل على رفض إسرائيل إنهاء الحرب. أدت العملية إلى تصعيد إضافي في الانتقادات الدولية، مما دفع الحكومات الأوروبية إلى فرض حظر على توريد الأسلحة إلى إسرائيل (لا سيما فيما يتعلق بقطع غيار الأسلحة البرية).
٣. ضعف الدبلوماسية العامة وأهمية منظومة الحرب المعرفية؛ الفشل في مواجهة حملة "التجويع المتعمد" التي شنتها حماس: تصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين في مارس ٢٠٢٥ بشأن وقف المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، والتي صاحبتها نبرة فخر، أضرت بإسرائيل إلى حد كبير. طاردت حملة "التجويع المتعمد" (الحملة الزائفة التي قادتها حماس) إسرائيل حتى إعلان وقف إطلاق النار في أكتوبر ٢٠٢٥. تسارعت وتيرة الحملة بعد انتصار إسرائيل في حرب الـ ١٢ يومًا مع إيران، نتيجةً لمزيج من الإحباط من تجدد الحرب في غزة ونفاد الإمدادات الإنسانية في قطاع غزة، مما تسبب بالفعل في نقص غذائي (خاصةً للفئات الأضعف في المجتمع - النساء والمرضى والأطفال). وجدت إسرائيل نفسها لأول مرة في منطقة خطر حقيقي من العزلة والعقوبات الدولية. وقفت دولة إسرائيل على شفا الهاوية.
جاذبية الساحة الإسرائيلية الفلسطينية
أعادت الحرب القضية الفلسطينية إلى صميم الأجندة العالمية، لكنها لم تُصَبّ في صميم المشهد الإسرائيلي. بل على العكس تمامًا. فمعظم الجمهور الإسرائيلي لا يرى أملًا في فكرة حل الدولتين للصراع. ويُنظر إلى أي ذكر لخيار الدولة الفلسطينية من قِبل شريحة كبيرة من الجمهور الإسرائيلي على أنه مكافأة للإرهاب. وحتى بين الراغبين في الانفصال عن الفلسطينيين، يسود شعور كبير بالإحباط وعدم الوضوح حول كيفية دفع فكرة الدولتين. كما كان تأثير الحرب على العرب عمومًا سلبيًا؛ إذ ستستمر صدمة 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 في إحداث آثارها لسنوات عديدة قادمة بين الجمهور الإسرائيلي، وخاصة الشباب والجنود المسرحين.
الإنجاز الإسرائيلي غير مستقر لا يُفضي إلى نظام جديد: لا توجد قيادة جديدة في الساحة الفلسطينية. لا تزال حماس منظمةً إجراميةً ومتطرفة، والسلطة الفلسطينية بقيادة فتح لا تزال ملطخة بالفساد ولا تتمتع بشرعية واسعة النطاق. ورغم تعاون السلطة مع إسرائيل في الحرب على الإرهاب في الضفة الغربية، إلا أن الكثيرين في الرأي العام الإسرائيلي لا يزالون ينظرون إليها ككيانٍ معادٍ لا يختلف جوهريًا عن حماس.
هناك خطر آخر يتمثل في أن خطة إنهاء الحرب قد تؤدي إلى بقاء حماس في قطاع غزة. وإذا لم تنزع حماس سلاحها وتسيطر على القطاع، فقد تُعزز مكانتها على المدى البعيد. وهذا يعني أن شعور الهزيمة قد يتحول إلى شعور بالنصر.
ملخص
التغييرات الرئيسية في النظام
- تقويض مكانة إسرائيل الدولية وتصاعد ملحوظ في معاداة السامية حول العالم - لا تزال إسرائيل في وضع إشكالي. وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه كجزء من تنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب يمنع المزيد من التدهور، ولكنه لا يُحسّن الوضع بحد ذاته.
- صعود مكانة الحرب في العلاقات الدولية - إن إمكانية تحقيق الأهداف السياسية من خلال الحرب أمرٌ معروفٌ منذ زمن، إلا أن الكثيرين في العالم الغربي الليبرالي (وخاصةً في أوروبا) أنكروه في العقود الأخيرة. ومع ذلك، فإن نجاح حماس في انتزاع اعتراف واسع النطاق بالدولة الفلسطينية من دول العالم، واحتمال تحقيق بوتين لأهدافه فيما يتعلق بالمقاطعات الشرقية لأوكرانيا، يُعززان مكانة الحرب وأهميتها، في تغييرٍ عن التوجه السائد منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.
- إن ضعف المحور الشيعي وصعود المحور السني-الإخواني إلى موقع مؤثر، بدعم من الولايات المتحدة، يُغير موازين القوى في نظام الشرق الأوسط. ورغم أن هذا التوجه آخذ في التطور منذ البداية، ويختلف عن الثورة التي أحدثها داعش مع صعود الإسلام الجهادي، ورغم عدم وجود محور سني متطرف يُشكل تهديدًا لإسرائيل يُضاهي الخطر الذي يُشكله المحور الشيعي، إلا أن النفوذ المتنامي لقطر وتركيا في قطاع غزة والشرق الأوسط عمومًا يُمثل تغييرًا مهمًا، وهو تهديد بحد ذاته.
- تدويل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني - تُهيمن الولايات المتحدة على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بطريقة تُملي وتُقيّد العمل التكتيكي الإسرائيلي، ويُعدّ نشر قوات دولية في قطاع غزة تحوّلاً استراتيجياً في سياق الصراع. لا يزال من المبكر الجزم بما إذا كان هذا الأمر ظاهرة عابرة، أم تطوراً يتطلب تحديث السياسة الإسرائيلية تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مع السعي إلى استغلال الفرص المتاحة وصياغة استجابات للمخاطر الكامنة فيه.
- يتزايد الاستقطاب في الساحة السياسية والاجتماعية الإسرائيلية - دخلت إسرائيل الحرب على خلفية صراع اجتماعي وسياسي هائل حدث في عام 2023. الصراع حول طبيعة الحرب، وأهمية قضية الرهائن مقابل أهمية قرار حماس، وكذلك النقاش حول "اليوم التالي" في قطاع غزة - كل ذلك يعمق النزاع في المجتمع الإسرائيلي على طول الخطوط السياسية الفاصلة ويزيد من الاستقطاب.
التوصيات
- هناك حاجة إلى سياسة أمن قومي جديدة، تتكيف مع التغيرات في النظام : على الرغم من أنه ليس من الواضح ما إذا كانت الحرب قد انتهت، وحتى كتابة هذه السطور، لا يزال هناك وقف إطلاق نار هش، إلا أن على إسرائيل وضع سياسة أمن قومي جديدة. إن التغييرات التي طرأت على الساحتين الإقليمية والدولية ذات الصلة بإسرائيل لا تسمح بالاستمرارية، بل تتطلب تحولاً جذرياً. لذلك، من المناسب إجراء مراجعة شاملة، تنشر الحكومة الإسرائيلية في نهايتها سياسة مُحدثة، ويضع جيش الدفاع الإسرائيلي بناءً عليها استراتيجية لتنفيذ هذه السياسة.
- إلى جانب الدروس العسكرية، يجب أيضًا استخلاص الدروس المتعلقة بالمجتمع الإسرائيلي والمرونة الوطنية الداخلية من الحرب. تدخل دولة إسرائيل عام الانتخابات. يجب إجراؤها من خلال التركيز على الأسئلة المتعلقة بمستقبل دولة إسرائيل، وليس ماضيها. من المناسب استغلال الصدمة التي سببتها أحداث 7 أكتوبر 2023 والحرب التي اندلعت آنذاك، لتقديم رؤية جديدة لدولة إسرائيل. لسوء الحظ، فإن فرص حدوث ذلك ضئيلة. من المرجح أن تُجرى الانتخابات حول الماضي والاتهامات وتحمل المسؤولية أو عدم تحملها، بالإضافة إلى الصور والروايات المتنافسة. كل هذا سيؤدي إلى زيادة الاستقطاب الداخلي والخطاب العنيف والعنف الداخلي في إسرائيل. وعلى الرغم من أنه لا يمكن تجنب النقاش، فمن المأمول والموصى به أن يتم استغلال الأزمة لبناء مستقبل جديد وموحد.
المصدر: معهد دراسات الأمن القومي
الكاتب: تمير هيمان