الخميس 21 آب , 2025 03:42

ذا ناشيونال انترست: هل سيسلم حزب الله سلاحه؟

ضغوط دولية على لبنان لنزع سلاح حزب الله

يشهد لبنان اليوم مرحلة حاسمة في مواجهة ضغوط دولية ومحلية تسعى إلى نزع سلاح حزب الله، في وقت يبرز فيه الحزب كدرع حماية للشعب اللبناني وفريقاً قادراً على صون السيادة الوطنية. رغم الضغوط الأميركية والإسرائيلية، وقرار الحكومة بنزع سلاح "الجماعات المسلحة"، يظل حزب الله قوة مجتمعية وسياسية لا يمكن تجاهلها، حيث يضمن التوازن في وجه الاعتداءات والاحتلالات.

يؤكد المقال الذي نشره موقع "ذا ناشيونال انترست" وترجمه موقع الخنادق الالكتروني أن النجاح في نزع السلاح لن يتحقق بالقوة العسكرية وحدها، بل عبر دمج مقاربة وطنية توحد اللبنانيين، وضمان خطوات متبادلة من "إسرائيل" تعترف باحتلالها غير الشرعي وتبدأ عمليات حسن النية. كما يشير إلى أن استقرار لبنان يجب أن يكون الأولوية، وأن أي تجاهل للوضع الداخلي أو الإصرار على الضغط الأحادي قد يعزز من تمسك حزب الله بسلاحه ويزيد من احتمالات الصراع الداخلي. في المقابل، يمكن لهذه المرحلة أن تمثل فرصة تاريخية لإعادة بناء الدولة اللبنانية، ودعم جهود إعادة توازن القوى في المنطقة، بما يعكس "دوراً استراتيجياً للولايات المتحدة وحلفائها".

النص المترجم:

نزع سلاح حزب الله سيكون أسهل بكثير إذا انسحبت "إسرائيل" من الأراضي اللبنانية.

في الأسبوع الأول من آب/أغسطس، صوّت مجلس الوزراء اللبناني على نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في البلاد، في خطوة تُعدّ محطة بارزة في مسار لبنان. لكن هل سيتم تنفيذ هذا القرار فعلاً؟ قبل وقت ليس ببعيد، كان يُنظر إلى حزب الله على أنه أقوى فاعل مسلّح غير دولتي في العالم.

يمثّل قرار الحكومة أحدث محطة كبرى في ملحمة من المفاوضات والحرب تعود إلى خريف 2024. فبعد نحو عام من الهجمات المتبادلة بين حزب الله و"إسرائيل" التي شرّدت عشرات الآلاف على جانبي الحدود، وسط دمار واسع في جنوب لبنان ذي الغالبية الشيعية واحتلال إسرائيلي لخمس نقاط رئيسية داخل الأراضي اللبنانية.

يشهد لبنان اليوم واقعًا جديداً يتمثل في احتلال إسرائيلي مفتوح الأمد لجزء من أراضيه، في "مفارقة مؤلمة تُظهر كيف تحوّل شعار المقاومة إلى ذريعة لنتائج عكسية". فبينما يواصل الاحتلال الإسرائيلي خرق القوانين الدولية بلا رادع، يجد لبنان نفسه في قلب معركة لم يخترها شعبه، بل فُرضت عليه نتيجة حسابات سياسية وعسكرية. ورغم الوساطات الأميركية التي أفضت إلى هدنة في نوفمبر، فإنها سرعان ما تبيّن أنها ليست أكثر من غطاء لمواصلة العدوان عبر غارات شبه يومية على مواقع حزب الله. هكذا يظهر المشهد محمّلاً بخسائر فادحة على المستويين السيادي والإنساني، ويؤكد أن الحل الجذري لا يكمن في مغامرات عسكرية، بل في إنهاء الاحتلال بجميع أشكاله.

تشكيل حكومة لبنانية جديدة برئاسة الرئيس جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام في يناير وفبراير 2025 شكّل الخطوة الأولى نحو اتفاق يتجاوز مجرد وقف إطلاق النار. فمع وجود حكومة إصلاحية في السلطة، وتصاعد الضغوط الأميركية ـ الإسرائيلية، تسارعت وتيرة المفاوضات لحسم ملف حزب الله بشكل نهائي. وبعد أشهر من الدبلوماسية التي قادها مبعوثان خاصان من الولايات المتحدة، في ظل استمرار الغارات الإسرائيلية، انتهت الجهود بإعلان أوائل أغسطس عن قرار نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة داخل الأراضي اللبنانية.

ويرى حزب الله أن القرار ليس لبنانياً خالصاً، بل هو إملاء دولي. المجتمع الدولي بدوره يرى أن اللحظة سانحة لتحقيق ما كان يسعى إليه منذ زمن بعيد: "نزع السلاح والإصلاح".

لكن، يبقى تمويل إعادة إعمار الجنوب والمناطق الأخرى المحسوبة على الحزب معلقاً، بينما يعاني معظم اللبنانيين من فقر مدقع في ظل دولة عاجزة عن توفير الخدمات الأساسية.

ورغم ذلك، يواصل الحزب سياسة كسب الوقت، وهي تكتيك مألوف استخدمه سابقاً لتفادي النقاش الجاد حول نزع السلاح والإصلاح. هذا الموقف يضع الحكومة اللبنانية في مأزق، خصوصاً مع استمرار الضغوط الأميركية على عون وسلام للمضي قدماً في ملف الحزب. وتحت هذا الضغط صدر قرار مجلس الوزراء، رغم أن القيادتين كانتا تفضلان نهجاً أبطأ وأكثر تدرجاً.

الحكومة اللبنانية لا يمكن الاستهانة بمخاوفها، خاصةً في ظل المهل التعسفية التي تُبنى إلى حدّ كبير على مدى صبر واهتمام رئيس أميركي مشهور بتقلّباته وغير قابل للتنبؤ. يدرك كل من ميشال عون ونواف سلام، بعدما عاشا أهوال الحرب الأهلية اللبنانية (1975–1990)، أن الكثير من الأسباب الجوهرية التي أشعلت تلك الحرب ما زالت قائمة حتى اليوم. فالطائفية لا تزال قضية انقسامية.

لا شك أن إدارة ترامب تنظر إلى زيادة الضغوط باعتبارها النهج الأفضل لنزع سلاح الحزب. لكن الطريق الأسهل ليس دائماً هو الطريق الصحيح. فتصعيد الضغط على الحزب يغذّي الحجج نفسها التي يقوم عليها دعمه، وأبرزها مقاومة العدوان والاحتلال الأجنبي. وهذا الدعم لا يمكن شطبه بالرغبات ولا تجاهله بالإنكار.

على صانعي القرار في واشنطن والعواصم الغربية الأخرى أن يدركوا أهمية استقرار لبنان قبل أي اعتبار آخر. فالمخاطرة بانزلاق البلاد إلى حربٍ أهلية جديدة، أو القبول بهذا السيناريو كخيار محتمل في حال رفض حزب الله نزع سلاحه، أمر غير مقبول. كما أن الرهان على ضعف الحزب وعدم قدرته على خوض حرب واسعة يشكل مجازفة غير ضرورية، في وقت تتوافر فيه بدائل أخرى لمعالجة هذه القضية.

وهذا يعني ضرب المبرر الوجودي لحزب الله، كما يفهمه كل من عون وسلام. ويعني إجبار "إسرائيل" على الاعتراف باحتلالها غير الشرعي لأراضٍ لبنانية ذات سيادة. ويعني أيضاً دفع "إسرائيل" إلى القيام بخطوة حسن نية، كأن تنسحب من إحدى القرى الجنوبية المحتلة، مقابل بدء حزب الله عملية نزع السلاح. كما يتطلب منح عون وسلام رأس المال السياسي اللازم لطرح مسألة نزع السلاح كضرورة وطنية لبنانية جامعة، لا كمسألة ذات بعد طائفي أو كتعبير عن إملاءات خارجية.

إن محاولة فرض نزع السلاح بالقوة العسكرية، من دون أخذ الوضع السياسي الداخلي اللبناني في الاعتبار، تنطوي على مخاطر كبيرة قد تنتج عنها نتائج غير قابلة للاستمرار، وتؤدي إلى زعزعة استقرار لبنان عبر الإساءة إلى الطائفة الشيعية التي تشعر – وبحق – بأنها كانت تاريخياً مستهدفة ومهمّشة. مثل هذا التوجّه لا يضعف حزب الله بل يعزز موقعه، وربما يزيد من تصلبه في أي مفاوضات حول نزع السلاح، ما يهيئ بيئة لا حل فيها ومزيداً من الصراع.

إن النقاش حول سلاح حزب الله ينبغي أن يتمحور حول مسألتي الاندماج والوحدة الوطنية، وهما ركيزتان أساسيتان في مقاربة كل من ميشال عون ونواف سلام. وإذا كانت واشنطن جادّة في دعم قادة المنطقة لبناء مستقبل فعّال، فعليها أن تتبنى هذا المنطق في لبنان. أما البديل، فهو خسارة فرصة تاريخية لمساعدة لبنان، على حساب الجهود الأوسع لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وإنهاء مرحلة الانغماس الأميركي المفرط في المنطقة.


المصدر: The National Interest

الكاتب: Alexander Langlois




روزنامة المحور