الخميس 14 آب , 2025 02:53

من يحترم السيادة اللبنانية باراك أم لاريجاني؟

رئيس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني رفقة رئيس الجمهورية اللبناني جوزيف عون

 

تكتسب زيارات المسؤولين من مختلف الدول إلى لبنان بعداً سياسياً يتجاوز البروتوكول الدبلوماسي، إذ تعكس طريقة التعاطي مع مكونات المجتمع اللبناني ونوعية الخطاب الموجه، مدى احترام الزائر لسيادة الدولة ومصالحها. في هذا السياق، تتيح المقارنة بين زيارة رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، وزيارة المبعوثين الأميركيين سواء مورغان أورتاغوس أو توم باراك، قراءة واضحة في اختلاف السلوك والمضمون بين الطرفين.

الموقع السياسي وأثره على التعامل

من حيث المنصب، يمثل لاريجاني رأس الهرم في الأمن القومي الإيراني، أي أنه يمتلك سلطة سياسية وأمنية عالية التأثير، في حين أن باراك مجرد مبعوث أميركي بصفة وسيط أو ناقل رسائل، ما يجعله أداة تنفيذية أكثر منه صاحب قرار. هذا الفارق في الوزن السياسي ينعكس على أسلوب الزيارة؛ إذ يتعاطى لاريجاني من موقع الندّ، بينما يتعامل المبعوث الأميركي من موقع المراقب الناقل للأوامر.

الالتزام بالبروتوكول واحترام المؤسسات

زار لاريجاني خلال جولته في 13 آب/أغسطس الرؤساء الثلاثة — الجمهورية، النواب، والوزراء — في خطوة تعكس احترام البنية المؤسسية اللبنانية. في المقابل، وكما ظهر في الزيارات الأميركية المتكررة للبنان، جاء الموقف الأميركي محمّلاً بخطط مفصلة من أربع مراحل لنزع سلاح المقاومة وإنهاء "النفوذ المسلح غير الرسمي" على حد تعبير باراك، وأوامر محددة بجدول زمني، ما يعد تدخلاً مباشراً في الشؤون الداخلية وخرقاً للسيادة اللبنانية. وهذا ما أشار إليه لاريجاني بالقول "لم نأت بخطة إلى لبنان لكن أميركا جاءت بورقة تحمل بعض الأوامر".

دعم المقاومة مقابل نزع سلاحها

في زيارته شدد لاريجاني على الحفاظ على المقاومة واعتبارها عنصر قوة للبنان ورأسمال له، وأبدى استعداداً للتعاون الكامل مع قرارات الحكومة اللبنانية. في المقابل، طالب باراك الحكومة اللبنانية بالالتزام بنزع سلاح حزب الله بحلول 31 كانون الأول 2025، مشفوعاً بإنذار شديد اللهجة وتهديد باجتياح إسرائيلي للبنان. بالإضافة إلى تناول لاريجاني لملف إعادة الإعمار حيث قال "يجب على الدولة اللبنانية أن تمهد الطريق لإعادة الإعمار ونحن جاهزون للمساعدة" بينما اشترط باراك تنفيذ الإعمار "بتفكيك كامل أسلحة حزب الله"، وبعدها يُعقد مؤتمر دولي لمناقشة إعادة الإعمار.. وهذا يدل بوضوح على التعامل باستخفاف مع لبنان. كما استنكر لاريجاني توجيه الدول "أوامرها للبنان" في المقابل هدد باراك في زيارته بأن "لبنان سيبقى خارج المعادلة إذا لم يرتب أوراقه"، وبالتأكيد يقصد هنا ترتيب أوراقه بحسب الأولويات الأميركية. مشيراً الى ضم لبنان الى بلاد الشام ما أثار موجة غضب عارمة لدى كل اللبنانيين باختلاف انتماءاتهم الطائفية والمذهبية والحزبية.

هذا التباين يعكس اختلافاً جذرياً في الرؤية: طرف يعتبر المقاومة ضمانة للسيادة، وآخر يعتبرها عقبة يجب إزالتها.

الأسلوب الدبلوماسي في التعامل مع المواقف الحساسة

عندما سُئل لاريجاني عن سبب عدم لقائه وزير الخارجية يوسف رجي أجاب بأن "ضيق الوقت لا يسمح بإجراء المزيد من الجولات"، متجنباً أي تصعيد أو إحراج، ما يعكس انضباطاً دبلوماسياً وأدباً رفيعا. أما المبعوث الأميركي، فيتسم أسلوبه غالباً بالغرور السياسي، ويلاحظ ذلك من خلال السلوك الذي يجري التصرف به أثناء الزيارة مثلاً طريقة الجلوس حيث يجلس أي مبعوث أميركي بطريقة فيها استعلاء وتكبر، وكذلك يتكلم بذات المنطق البعيد عن اللياقة دون إعطاء أدنى احترام للطرف المقابل. في حين ظهر تواضع لاريجاني خلال زيارته واحترم كل المكونات حتى التي تختلف معه.

الحضور الشعبي والانطباع العام

حظيت زيارة لاريجاني باستقبال شعبي يعكس تأييداً جماهيرياً لحضوره ولموقفه حيث توافد المواطنون في الساعة السابعة صباحاً لاستقباله والترحيب به، وهو مشهد غائب تماماً في زيارات المبعوثين الأميركيين مثل باراك أو أورتاغوس، حيث تغيب هذه المشاهد حين وصولهم وباتت شريحة كبيرة تندد بتخطيهم القواعد وتجاوزهم الدائم للأعراف.

توضح المقارنة بين الزيارتين، مدعومةً بالدلائل المختلفة، أن الفارق لا يكمن فقط في مضمون التصريحات، بل في فلسفة التعامل مع لبنان. لاريجاني قدّم نفسه كضيف يحترم المؤسسات وعدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، ويعترف بدور المقاومة كجزء من معادلة القوة، بينما جاء باراك بخطاب يفرض أجندات زمنية وشروطاً تتجاوز السيادة الوطنية. السؤال الذي يُطرح اليوم من هو الجانب الذي يحترم فعلاً سيادة لبنان وكرامته؟ ومن الذي يدوس عليها ولا يحترمها مطلقاً؟ الإجابة توجد في تحليل الخطابين وسلوك صاحبيهما.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور