خلال الجلسة الحكومية في 8 آب/أغسطس 2025 برئاسة الرئيس جوزاف عون، أقرّت الحكومة اللبنانية سلسلة قرارات تحت عنوان "تعزيز السيادة". إلا أن القراءة الدقيقة لهذه البنود تكشف أنها تحمل في مضمونها استجابة مباشرة للأجندة الأميركية – الإسرائيلية، بما قد يشكّل خرقاً للدستور والبيان الوزاري، وتقويضاً لمفهوم السيادة الوطنية لا سيما وأنها كانت تناقش الورقة الأميركية-الإسرائيلية التي قدّمها المبعوث الأمريكي الخاص توم براك.
تنفيذ "اتفاق الطائف" والدستور وقرارات مجلس الأمن، وفي مقدمها 1701، وحصر السلاح بيد الدولة
رغم أن تنفيذ الدستور واتفاق الطائف هو التزام وطني، إلا أن وضع القرار 1701 كأولوية، وربطه بحصر السلاح بيد الدولة، ينسجم حرفياً مع مطالب الولايات المتحدة و"إسرائيل" بنزع سلاح المقاومة. هذا يتعارض مع البيان الوزاري الذي نصّ على حق لبنان في "تحرير الأرض والدفاع عن السيادة بالوسائل المشروعة"، بما فيها سلاح المقاومة. التركيز على الحصرية المطلقة للسلاح بيد الدولة -وهو أمر غير ممكن مع غياب الطرف القادر على نزعه بالقوة- في الظرف الحالي يعني عملياً إلغاء عنصر الردع الوحيد بوجه الاعتداءات الإسرائيلية.
ضمان وقف الأعمال العدائية عبر خطوات منهجية نحو حل دائم وشامل
الحديث عن "حل دائم" تحت رعاية قرارات مجلس الأمن، دون الإشارة إلى استمرار الاحتلال والانتهاكات الإسرائيلية، يفرغ القرار من أي توازن. فهو يعطي الانطباع بأن الخلل متبادل، بينما الحقيقة أن الخروقات الإسرائيلية اليومية هي السبب الأساسي في استمرار التوتر. تجاهل هذا الواقع يترجم كقبول ضمني بالرواية الإسرائيلية.
الإنهاء التدريجي للوجود المسلح لجميع الجهات غير الحكومية، بما فيها حزب الله
هذا البند هو جوهر المشروع الأميركي–الإسرائيلي. إنهاء وجود المقاومة جنوب الليطاني وشماله يعني عملياً فتح الحدود أمام أي عدوان إسرائيلي، ونسف معادلة الردع. من الناحية الميثاقية، هذا الطرح يتجاهل التوافق اللبناني الواسع على اعتبار المقاومة جزءاً من استراتيجية الدفاع الوطني، كما ورد في بيانات وزارية متعاقبة منذ 2005.
نشر الجيش اللبناني في المناطق الحدودية والمواقع الداخلية الأساسية
من حيث المبدأ، نشر الجيش على الحدود مطلب سيادي، لكن ربطه بالدعم الخارجي المقرون بشروط، يفرغه من مضمونه الوطني. الدعم الأميركي للجيش مشروط تاريخياً بإبعاد أي عنصر قد يشتبه في تعاونه مع المقاومة، ما يعني استخدام الجيش كأداة ضغط داخلي، لا كقوة حماية وطنية شاملة -حتى أنه ليس مطلوباً من الجيش اللبناني أن يكن أي عداء لكيان الاحتلال حتى- بالعكس يستلزم دوره أن يكون محايداً ولا يشكل أي خطر على وجود كيان الاحتلال.
انسحاب "إسرائيل" من "النقاط الخمس" وتسوية قضايا الحدود والأسرى عبر مفاوضات غير مباشرة
المطالبة بانسحاب الاحتلال من النقاط الخمس مطلب ضروري ويجب تنفيذه، لكن الإشكالية تكمن في الإطار الذي يوضع فيه: المفاوضات غير المباشرة قد تتحول إلى قناة تطبيع مقنّع، خاصة إذا جرت برعاية أميركية منحازة بالكامل لتل أبيب. ومن قال أنه بعد تحقيق آمال الأميركيين سيتفرغون لهذا الملف؟ طالما أنه لا يشكل أي خطر عليهم وفيه منفعة لحليفتهم "إسرائيل".
عودة المدنيين إلى القرى والبلدات الحدودية
حق العودة للمدنيين مطلب بديهي وهذا واجب الدولة منذ اتفاق وقف إطلاق النار أن تنفذه طبعاً إذا كانت دولة مقتدرة وقوية وليس دولة تابعة، لكن النص هنا لا يربطه بضمانات أمنية حقيقية أو قدرة دفاعية تحمي هؤلاء من الاعتداءات المتكررة، ما يحوله إلى بند شكلي لا يضمن الأمن الفعلي لأهالي القرى الحدودية.
ضمان انسحاب "إسرائيل" ووقف الأعمال العدائية
التكرار لهذا المطلب بصيغة فضفاضة دون آلية واضحة أو جدول زمني، يعكس ضعف الإرادة التنفيذية، ويجعل الالتزام مرهوناً بنوايا الاحتلال المضمرة، التي تقوم على التوسع وسرقة الأراضي وبناء المستوطنات عليها.
ترسيم دائم ومرئي للحدود الدولية مع "إسرائيل"
رغم أن الترسيم مطلب سيادي، إلا أن إدراجه في هذه الحزمة قد يشكل مقدمة لتثبيت حدود برية قبل استكمال تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ما قد يضفي شرعية على الاحتلال في تلك المناطق.
عقد مؤتمر اقتصادي برعاية أميركية–خليجية
الربط بين التعافي الاقتصادي وبين تنفيذ بنود سياسية – أمنية تمس السيادة، يضع لبنان أمام مقايضة خطيرة: المال مقابل التخلي عن عناصر قوته الاستراتيجية. وهذا يتعارض مع مبدأ استقلال القرار الوطني.
دعم دولي إضافي للأجهزة الأمنية
الدعم الخارجي للأجهزة الأمنية، خصوصاً إذا كان أميركياً، غالباً ما يأتي مشروطاً بسياسات أمنية متماشية مع المصالح الأميركية. هذا يقيد استقلالية الجيش والأمن الداخلي، ويجعلها أداة تقف بوجه فئة لبنانية أخرى ما يجعل الصراع وبدل أن يكون مع الاحتلال ليكون صراعاً لبنانياً-لبنانياً وهذا ما تريده الأطراف الخارجية.
القرارات الحكومية الأخيرة، رغم تغليفها بخطاب "تعزيز السيادة"، تحمل في جوهرها مقاربة تتماشى مع الخطة الأميركية–الإسرائيلية لنزع سلاح المقاومة، وتطويق دورها، وربط الأمن والاقتصاد اللبنانيين برعاية دولية منحازة. وهي بذلك تخالف روحية البيانات الوزارية السابقة التي كرّست معادلة "الجيش والشعب والمقاومة"، وتتناقض مع مبدأ السيادة الكاملة الذي يفترض أن يوجه عمل الدولة اللبنانية.
الكاتب: غرفة التحرير