الجمعة 26 أيلول , 2025 03:39

بعد الدوحة.. هل أنقرة على قائمة الاستهداف الإسرائيلي؟

الرئيس أردوغان ونتنياهو واستهداف الدوحة

الهجوم الإسرائيلي الأخير على الدوحة لم يكن مجرد عملية عسكرية جديدة في سلسلة التصعيد الممتدة منذ عامين، بل مثّل نقطة تحول خطيرة في معادلات الردع الإقليمي. فاستهداف قطر، الحليف الرئيسي لواشنطن والمستضيف لأكبر قاعدة أمريكية في المنطقة، فتح الباب أمام تساؤلات حول ما إذا كانت تركيا، العضو في الناتو وصاحبة النفوذ العسكري والاقتصادي الوازن، قد تكون الهدف التالي في حسابات تل أبيب.

في هذا الإطار، يستعرض مقال نشرته مجلة responsible statecraft التداعيات الجيوسياسية للضربة الإسرائيلية الأخيرة على الدوحة، ويناقش العوامل التي تجعل احتمال استهداف تركيا واردًا من الناحية النظرية، لكنه يتوقف عند القيود الكبيرة التي قد تردع "إسرائيل". أهم هذه القيود عضوية تركيا في حلف الناتو وما يفترضه ذلك من حماية جماعية، رغم أن التجارب السابقة أظهرت محدودية تطبيق المادة الخامسة. ويقارن المقال بين وضع قطر، التي لم تحمها علاقاتها العسكرية الوثيقة مع واشنطن من الضربة، وبين وضع تركيا التي تمتلك قدرات عسكرية متطورة ونفوذًا إقليميًا أوسع.

كما يلفت المقال إلى ورقة ضغط غير عسكرية قد تجعل أي اعتداء على تركيا مكلفًا لإسرائيل: اعتمادها الكبير على النفط الخام الذي يمر عبر ميناء جيهان التركي، وهو شريان حيوي لأمن الطاقة الإسرائيلي. وفي الختام، يؤكد المقال أن أنقرة تمتلك مروحة واسعة من أوراق الردع تجعل استهدافها مغامرة محفوفة بالمخاطر، وإن كان سلوك القيادة الإسرائيلية في السنوات الأخيرة لا يستبعد الإقدام على خطوات متهورة مشابهة.

النص المترجم للمقال

بعد الضربة الإسرائيلية في قطر.. هل تركيا التالية؟

ربما تكون إجراءات الردع التي اتخذتها أنقرة على المستوى التالي كافية لمنع القادة الإسرائيليين من القيام بأي شيء أحمق

أثارت الضربة الإسرائيلية الأخيرة على قطر، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة من خارج حلف الناتو، تساؤلاً حول ما إذا كانت تركيا، حليفة الولايات المتحدة في حلف الناتو، قد تكون الهدف التالي لإسرائيل. وبينما تشير العديد من أوجه التشابه بين قطر وتركيا إلى أن الهجوم الإسرائيلي على تركيا ليس مستحيلاً تماماً، إلا أن عدداً من العوامل، أبرزها اعتماد إسرائيل الوثيق على تركيا، من المرجح أن يشكل رادعاً قوياً ضد أي هجوم إسرائيلي مستقبلي على تركيا.

لقد شكلت الضربة التي شنتها إسرائيل في التاسع من سبتمبر/أيلول ضد قادة حماس في العاصمة القطرية الدوحة تصعيداً آخر في الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة منذ ما يقرب من عامين والتي امتدت عملياتها الآن إلى إيران وسوريا ولبنان واليمن والعراق وتونس وقطر ــ كل هذا في حين تعمل على إدامة الكارثة الإنسانية المستمرة في غزة والتوسع الاستيطاني العدواني في الضفة الغربية.

ورغم أن الضربة التي استهدفت قطر تأتي في إطار المسار التصعيدي الذي اتبعته إسرائيل على مدى العامين الماضيين، فإنها تشكل مع ذلك كسراً للسابقة من حيث استهدافها لجهة كانت تعتبر في السابق ــ لأسباب وجيهة عديدة ــ محظورة.

أولاً، بخلاف علاقتها العدائية المعلنة مع إيران، لا يمكن وصف علاقات إسرائيل مع قطر بأنها متوترة. بل على العكس، حافظت الدوحة على علاقات محدودة، وإن كانت ثابتة، مع القدس، حيث فتحت دوريًا قنوات للحوار غير الرسمي والتجارة، متجنبةً إقامة علاقات دبلوماسية كاملة. بل إنها برزت كوسيط رئيسي بين إسرائيل وحماس، وهو دور تزايدت أهميته خلال العامين الماضيين.

ثانيًا، تمتلك قطر جيشًا حديثًا، وتستضيف قاعدة أمريكية واسعة تضم 11 ألف جندي، وتفخر بدفاعات جوية أمريكية متطورة. ثالثًا، قطر حليف رئيسي للولايات المتحدة من خارج حلف الناتو.

ولكن يبدو أن أياً من هذه العوامل لم يمنع إسرائيل من انتهاك السيادة القطرية بشكل صارخ، مما دفع المراقبين ، بما في ذلك أصوات داخل إسرائيل، إلى التساؤل عما إذا كانت تركيا ستكون الهدف التالي لإسرائيل.

ليس هذا السؤال مستبعدًا، فهناك أوجه تشابه لافتة بين تركيا وقطر تجعل كليهما مرشحين جذابين للضربة الإسرائيلية القادمة. على سبيل المثال، تتمتع الدولتان بعلاقات ودية مع حماس، وقد استضافتا في الماضي - ولا تزالان - قادة الحركة.

التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزراءه مرارًا وتكرارًا بقادة حماس علنًا، حيث وصف أردوغان المنظمة بأنها "جماعة تحرير". علاوة على ذلك، منذ انهيار بشار الأسد في سوريا وصعود نظام مقرب من تركيا وقطر في دمشق، أصبح المخططون الإسرائيليون يعتبرون تركيا وقطر تهديدين استراتيجيين" بشكل متزايد.

وبالفعل، أوصت لجنة شكلها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لدراسة البيئة الأمنية المتطورة في إسرائيل بأن تخصص إسرائيل الموارد في ضوء سيناريوهات الصراع المحتملة التي تشمل تركيا، وخاصة في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​وحول نفوذ تركيا في سوريا وغزة.

ولكن على افتراض أن الرغبة الإسرائيلية في ضرب تركيا موجودة بالفعل، فهل الدوافع التي تدفع إسرائيل نحو مثل هذه الضربة تفوق القيود التي من شأنها أن تبقيها تحت السيطرة؟

الحجة الأكثر شيوعًا التي تُساق لتبديد احتمال توجيه ضربة إسرائيلية لتركيا هي عضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو). ويؤكد مؤيدو هذه الحجة أن أي هجوم على تركيا سيُفعّل تلقائيًا المادة الخامسة من معاهدة الأطلسي، التي تُلزم الحلف بأكمله بالدفاع عن أنقرة.

مع ذلك، حتى في حال تفعيل المادة الخامسة بنجاح في حال وقوع هجوم إسرائيلي مباشر على تركيا، فإن الأعضاء غير مُلزمين بالرد بالقوة. يسمح نص المعاهدة لكل دولة باتخاذ "الإجراءات التي تراها ضرورية"، والتي قد تتراوح بين التدابير العسكرية واللفتات السياسية البحتة، مما يسمح لأعضاء الناتو بحصر ردهم في الدعم الدبلوماسي البحت بدلاً من الالتزام برد عسكري كبير.

في الواقع، وكما كشفت تعاملات أنقرة السابقة المعقدة مع حلف الناتو، فإن بند الدفاع الجماعي للحلف لا يستبعد تلقائيًا إمكانية تعرض تركيا لموقف محرج من قبل حلفائها في الناتو في حال تعرضها لضربة إسرائيلية. في عام 2012، بعد أن أسقطت سوريا طائرة عسكرية تركية، فكرت أنقرة في تفعيل المادة الخامسة، لكنها استقرت في النهاية على مشاورات المادة الرابعة ، بينما نشر الناتو صواريخ باتريوت في تركيا، لكنه تجنب تصعيدًا عسكريًا أوسع. وذُكِّرت أنقرة بمرارة بأن عضوية الناتو لا تضمن تفعيل المادة الخامسة تلقائيًا في حال نشوب نزاع مسلح.

في الواقع، يتجلى مثالٌ واضحٌ على حدود أو مخاطر هذه الشراكات العسكرية في مأزق قطر مع إسرائيل. ولن يغيب عن أنقرة ولا القدس أن الروابط العسكرية العميقة لقطر مع الولايات المتحدة - حليفٌ رئيسيٌّ لها من خارج حلف الناتو، ومستضيفٌ كريمٌ لقاعدةٍ عسكريةٍ أمريكيةٍ ضخمة - لم تُوفّر لها حمايةً تُذكر فحسب، بل كانت أيضًا عاملًا أساسيًا في تسهيل تنفيذ ضربة 9 سبتمبر. علاوةً على ذلك، عندما وقعت الضربة أخيرًا، اقتصر دعم واشنطن للدوحة على بيانٍ من مجلس الأمن الدولي يُدين العملية الإسرائيلية. سيُغفر لقطر أن تنظر بمرارةٍ إلى تحالفها مع واشنطن على أنه صفقةٌ خاسرة.

إن ما يزيد من احتمالات ردع القادة الإسرائيليين عن الشروع في مغامرات عسكرية متهورة للغاية ضد تركيا هو القوة العسكرية التركية ذاتها، ونفوذها الاقتصادي العميق على إسرائيل، وأخيراً دورها الجديد باعتبارها الراعي الرئيسي للنظام السوري الجديد.

تتفوق القدرات العسكرية التركية بشكل كبير على قطر، ليس فقط من حيث الحجم، بل أيضًا من حيث التطور التكنولوجي. في حال تعرضها لضربة إسرائيلية، من المرجح أن تتمكن تركيا من استعادة قدرٍ دائم من الردع العسكري باستخدام معداتها العسكرية التقليدية، مثل الطائرات المسيرة محلية الصنع والطائرات الحربية الأمريكية الصنع. ومع ذلك، إذا تصاعدت الأعمال العدائية إلى مواجهة مستمرة، فإن شبح الترسانة النووية الإسرائيلية سيفرض قيودًا نفسية كبيرة على شدة ووتيرة التصعيد التركي.

علاوة على ذلك، في حال اندلاع مواجهة مع إسرائيل، يُمكن للقادة الأتراك تحدي إسرائيل من خلال موطئ قدمهم في سوريا. يمكنهم نظريًا توريد أسلحة متطورة للنظام السوري أو جماعات مسلحة أخرى لتعقيد حسابات إسرائيل الأمنية. ورغم أن هذا قد يبدو مستبعدًا في ظل الظروف الحالية ، إلا أنه في حال تزايد التوترات مع إسرائيل وتوافقت مجموعة نادرة من العوامل، فقد تميل أنقرة إلى توجيه الحكومة الجديدة في دمشق بغض الطرف عن عمليات نقل الأسلحة الإيرانية - أو غير الإيرانية - إلى حزب الله عبر سوريا، مما يُلغي فعليًا الكثير مما سعت إسرائيل إلى تحقيقه في حملتها لإضعاف عدوها اللبناني.

من المفارقات أن أحد أكثر وسائل الردع التركية فعاليةً ضد أي هجوم إسرائيلي هو خيار غير عسكري: قطع أو تعطيل إمدادات الوقود الإسرائيلية. تعتمد إسرائيل اعتمادًا كبيرًا على النفط الخام المُشحن من أذربيجان عبر ميناء جيهان التركي، مما يجعل أنقرة شريان حياة حيويًا لأمن الطاقة الإسرائيلي. وكما يعلم القادة الإسرائيليون جيدًا، ففي حال وقوع هجوم إسرائيلي على الأراضي التركية، يُمكن لأنقرة أن تُسبب أزمة طاقة خطيرة قد تُعيق اقتصاد إسرائيل وعملياتها العسكرية. يُمثل هذا وسيلة رد فورية وقوية، والتي، على عكس التصعيد العسكري، لن تتطلب من تركيا إطلاق رصاصة واحدة.

لا شك أن تركيا اليوم تمتلك أوراقًا حقيقية ومهمة يُمكنها استخدامها في حال اندلاع أعمال عدائية مع إسرائيل. وإدراكًا لهذا، حتى أكثر الحكومات الإسرائيلية تهورًا ستُفكّر مليًا قبل اتخاذ أي إجراء عسكري عدائي ضد تركيا. ومع ذلك، ورغم عوامل الردع، فقد أثبت القادة الإسرائيليون - وخاصةً في عهد نتنياهو خلال العامين الماضيين - قدرتهم الكاملة على اتخاذ خطوات متهورة وغير مدروسة، مثل الحرب مع إيران أو الضربة الأخيرة على قطر، والتي لم تُعزز أيٌّ منهما المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية طويلة المدى.


المصدر: معهد responsible statecraft

الكاتب: Sajjad Safaei




روزنامة المحور