الإثنين 11 آب , 2025 03:21

هل يستطيع حزب الله وقف القطار؟

مقاوم يحمل العلم اللبناني وعلم حزب الله

على ضوء الورقة الأميركية التي وافقت عليها الحكومة اللبنانية، يبدو أن "إسرائيل" تريد أن تُغلق ملف حزب الله في أقرب موعد ممكن، وغير بعيد نسبياً، وستواصل بكثافة تصفية مجموعة أهداف تعتقد أنه يجب تصفيتها، سواء على مستوى الأفراد، لضرب جهود تعافي المقاومة وتعافي حركتها وبُنيتها، أو على مستوى ضرب منشآت عسكرية له أو عملياتية وضرب أسلحته. متسلّحة بتفسيرها لمندرجات آلية تطبيق وقف إطلاق النار على قاعدة القرار 1701، ومن التغطية الأميركية لهذا التفسير والرضا الضمني والسكوت العلني للدولة اللبنانية، مقدمة لها خدمة مواكبة الأداء السياسي الداخلي للدولة اتجاه حزب الله بالنار. ويسير حزب الله بنهجه القائم على وجوب تقطيع هذه المرحلة بأقل خسائر ممكنة.

يُخفي حزب الله سلاحه ويحمي بناه العسكرية التحتية، في انتظار أن تتغيّر المعادلة في إسرائيل أو في المنطقة عبر إستراتيجية شراء الوقت واستيعاب الضربات، الأمر الذي ترفضه أميركا عاملةً بقوة ضاغطة تمارسها على الدولة اللبنانية وعلى كل الملفات المتعلقة بنزع سلاحه بالتعافي والإعمار ومحاصرة النفوذ الداخلي لحزب الله ومحاصرة تمويله لإسقاطه، وإسقاط مؤسساته ولإيجاد خيارات لبيئته من خارجه.

تضغط الولايات المتحدة الأميركية عبر قنواتها السياسية والاقتصادية الدولية للوصول إلى نقطة تتلاقى فيها الأهداف "الإيجابية" بين لبنان وإسرائيل، لتمهيد الأرضية لاحقاً لتسوية تغلق ملف الخطر الوجودي على كيان العدو الذي يتهددها على جبهتها الشمالية .فهل سيستطيع حزب الله إيقاف القطار في ظل التحديات التي تواجهه بعد وقف إطلاق النار، والتي يمكن تلخيصها بالتالي:

- نزع السلاح (وهو أمر انطلق بقوة وجديّة وقد يحصل في ظل التهديد بحرب أهلية، أو باجتياح إسرائيلي متعدد الجبهات: جنوباً وبقاعاً غربي وشمالي، وعبر الأراضي السورية حيث سيكون غير متعسّر عليها التقدّم البري خصوصاً على كامل مساحة ما أُصطلح على تسميته سابقاً بالشريط الحدودي المحتل لفراغه من أي وجود مُقاوم فاعل، وعبر الحدود السورية عبر مساحات لا تخضع أصلاً لنفوذ حزب الله،..).

 - الحفاظ على المؤسسات الرعائية والاجتماعية والخدماتية والإعلامية.

- الإعمار المتوقف والممنوع.

- العودة إلى قرى الحافة الأمامية التي تبدو بعيدة حتى الآن.

- فاعلية دور حزب الله داخل التركيبة السياسية اللبنانية والتي تُظهر الحكومة في أدائها داخل الجلسات على إضعاف وتقليص الدور السياسي للثنائي الوطني في تعطيل اتخاذ القرارات.

- ضبط المرافق والحدود وإطباق الحصار على حزب الله.

- خطة تعافي القدرات الخاصة بحزب الله .

- التهديد المُستدام للعدو بالحرب من جديد لتجريد المقاومة من سلاحها.

- اختلال الردع في ظل استمرار استباحة العدو لكل شيء .

- خضوع الدولة اللبنانية للإرادة الأميركية وتنفيذها للخطة الأميركية ضد حزب الله.

- مشروع العلو الأميركي - الإسرائيلي في المنطقة بدءاً من غزة مروراً بلبنان وسوريا وصولاً إلى العراق. مع السعي لأحادية القطب الاقتصادية الأميركية في العالم .

- القضية الفلسطينية ميدانياً، سواء لجهة حرب الإبادة والتدمير، أو لجهة عدم استمرار كونها قضية عربية وإسلامية جامعة بل على العكس من ذلك تماماً حيث الصمت والتآمر والتخلي والتحالف مع عدو القضية الأكثر وضوحاً من أي وقت مضى... هذا المسار له نتيجة واحدة صادمة ولكنها واقعية:

خسارة القضية الفلسطينية، هذه الخسارة إن حصلت، لها تداعيات خطيرة على مجمل وضع وشكل ومضمون وأولويات دول المنطقة ولا سيما ما تبقى من محور المقاومة.

 أول هذه التداعيات: أنه لم يعد هناك قضية جامعة أو قضية رافعة للشعوب.

ثاني هذه التداعيات، هو انعكاس الصورة من صراع وقضية وعدو متربص، إلى تطبيع واستسلام وعلو وهيمنة للقوى الاستكبارية على المنطقة، ودخولها في مسار سبات النوم الطويل المسروق خياراته ومستقبله.

ثالث هذه التداعيات، اضطرار قوى المقاومة ودول المجابهة إلى إعادة التموضع وترتيب الأولويات والانحناء للعاصفة الهوجاء حتى لا تنكسر وحتى تحفظ نفسها وهي محاطة بأمواج متلاطمة تعمل على عدم السماح لها لا بالتعافي ولا بالحياة فضلاً عن أي دور لها تهديدي فاعل. وهذا سيكون له انعكاسات بنيوية سلبية على قوى المقاومة في المراحل العجاف التي ستمر بها.

نزع السلاح خطوة وليس هدفاً نهائيا

إن نزع سلاح حزب الله، ليس هو الهدف الأعلى، ولا الهدف النهائي، المنشود في لبنان من قِبل الولايات المتحدة وإسرائيل. بل هو عبارة عن تنفيذ هدف تشغيلي في إطار الأهداف الإستراتيجية المطلوب تحقيقيها في لبنان. أي إزالة العقبة الأساسية من أمام المسار المخطط له لمستقبل لبنان المُستسلم لإسرائيل.

لذا فإن إسرائيل لن تعطي لبنان أية مكاسب في مقابل خطوة قراره بنزع سلاح المقاومة، في هذه المرحلة، ولن تنسحب أو توقف استباحتها له. ووسائل الضغط التي كانت قائمة ستستمر، حيث أن تحقيق الأهداف المطلوبة تستلزم إزالة العقبات من أمامها وهي حزب الله. للوصول إلى (تحقيق السلام) مع لبنان والتطبيع معه، وضمه إلى "الديانة الإبراهيمية الجديدة".

وأمام استسلام الحكم في لبنان للمطالب الأميركية والبدء بوضع آليات لتنفيذها مع جدول زمني، ومهما علت الأصوات المعترضة، فإن هذا سيؤدي إلى اهتزاز الوضع الأمني داخل لبنان .

ولن تكون هذه المرة حرباً أهلية، بل سيكون عنوانها للأسف: الدولة والمكونات اللبنانية مجتمعة ضد فئة مسلحة خارجة عن القانون وغير شرعية بحسب القوانين اللبنانية.

وطالما أن حزب الله لم ينقلب على الحكومة أو يستقيل منها هو وحركة أمل لإفقادها الميثاقية، فإن هذا يعني من وجهة نظر الطرف المُقابل للمقاومة  :

1-أنه غير قادر على هذه الخطوة، أو غير قادر على تحمّل تباعتها وعواقبها عليه. وهذا سيعني بالضرورة أنه لم يعد اللاعب القوي على الساحة الداخلية وفي تركيبة لبنان السياسية.

2-أنه يتأقلم ليتحول إلى حزب سياسي، يلعب وفق أصول اللعبة السياسية الداخلية .

3-أنه لم يعد يملك الردع حتى على المستوى الداخلي اللبناني، حيث أصبح الآخرون لا يخشون من ردة فعله، وباتوا يعرفون سقفه في التعاطي الداخلي. وعليه أن يستعد لتحمّل القرارات القادمة ضده وفق أصول القانون وتمرير القرارات بالتصويت.

وعندما يحين وقت الصراع هناك خشية أن يكون قد فقد حزب الله دفاعاته. في وقت لن يكون قادراً، أيضاً، على الدفاع عن سلاح المقاومة بالطرق السلمية. في ظل هجمة صلبة ضده، وفي ظل التهديد الوجودي الذي سيواجهه الشيعة في لبنان بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، سواء لجهة الحق في العيش أو في الاختيار أو في المواطنة، وصولاً إلى أن هذا التهديد الوجودي لن يُستغرب أنه سيطال وجودهم الديموغرافي في لبنان.

أهم ما تفرضه المرحلة لدى وعي الجمهور

هذه المرحلة المفتوحة على كل المفاجآت والخيارات، على جمهور المقاومة وبيئتها الحاضنة، والمتعاطفة معها، أن يكون نفسها طويل واستعداداتها طويلة. وأن تتحلى بالصبر والوعي والبصيرة، وضبط الأعصاب والانفعالات والتحلّي بالحكمة. والأهم من ذلك أن تثق بالله وبقيادة حزب الله.

خيارات حزب الله متعددة في ظل أولوياته الوطنية

واصل حزب الله منذ سريان وقف إطلاق النار في 27/11/2024، عمليات ترميم قدراته العسكرية الدفاعية لمواجهة أي تصعيد إسرائيلي محتمل اتجاه لبنان من جهة التوغل البري أو الانقضاض على المقاومة في إطار حملة يكون العدو قد خطط لها. وأنجز حزب الله الكثير في هذا الملف البنيوي والحيوي، كعنصر قوة لحماية وحدة وأراضي لبنان.

الأولويات التي يبدو أن حزب الله يحتكم إليها، حتى الآن، هي:

 -مواصلة العمل لدفع الدولة للعمل الفاعل لكي تنفذ إسرائيل التزاماتها وفق القرار 1701، ووقف الاعتداءات والانسحاب وإطلاق الأسرى.

- المحافظة على الوحدة الوطنية.

- المحافظة على السلم الأهلي.

-عدم الانصياع لحملة نزع سلاح المقاومة، كونه من الأعمدة الإستراتيجية الوطنية للدفاع عن لبنان، وللتصدي لمشروع إلحاق لبنان بقطار الاستسلام.

وبناءً على الأولويات، وعلى عدم توقف إعادة بناء القدرات بأي حال من الأحوال. سيمضي حزب الله في دفع القطار لإبطاء حركته إلى حين وصوله لنقطة فاصلة تستوجب تغيير اتجاهه، أو إيقافه بالحد الأدنى.

وإنجاز هذا الأمر، يحتاج من حزب الله التمسك إلى آخر الخط بالأولويات المتقدمة الذكر، طالما لم يفرض عليه خيار الاستسلام للمسار الأميركي الذي تسير فيه الدولة اللبنانية، والتقدّم لإسقاطه كجزء من عملية وقف القطار.

لذا فإن خيارات حزب الله تمشي في ظل توازن دقيق وعميق، لكي يزاوج بين الأولويات والمخاطر والتهديدات، مع الاستعداد لأسوأ سيناريو قد يكون، إما لا بد منه، أو يكون لا مفر من محاكاته.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب: إبراهيم شمس الدين




روزنامة المحور