لأول مرة منذ عقود، تمرّ ليالي عاشوراء في العاصمة السورية دمشق بلا صوت للمنابر، ولا مواكب، ولا مجالس في البيوت. ما كان يُعتبر ركناً راسخاً في الحياة الدينية للمجتمع الشيعي في سوريا، بات اليوم محاطاً بالصمت، بفعل شعور متصاعد بالخوف، فرضه التغيير السياسي الخطير الذي تشهده البلاد منذ وصول احمد الشرع (الجولاني) إلى سدة الحكم، مدعوماً بتحالف من الفصائل المتطرفة التي تتصدرها جبهة النصرة سابقاً. التحوّل الأمني والسياسي الذي رافق تغيير النظام خلق واقعاً جديداً يُهدد المسلمين الشيعة في سوريا رغم التطمينات والضمانات والزيارات. ويأتي هذا الخوف في ظل ذاكرة دامية لا تزال حاضرة في أذهان الأقليات، ممن شهدوا على مجازر ارتكبتها الجماعات التكفيرية، التي باتت اليوم جزءاً من السلطة.
هوية دينية محاصرة
المؤشرات تؤكد أن الطائفة الشيعية تعيش ما يشبه حالة الكمون القسري. مجالس العزاء التي كانت تُعقد سنوياً في المناطق ذات الغالبية الشيعية مثل ريف دمشق بالقرب من مقام السيدة زينب (ع)، شارع الأمين، وبعض الأحياء في حلب وحمص، غابت بالكامل هذا العام، وسط خوف جماعي من الملاحقة أو إثارة انتباه الأجهزة الأمنية التابعة للنظام الجديد، ومعلومات ان الأمن السوري منع المواكب الحسينية، وأغلق أبواب المقام امامها. ووفق صحيفة "الأخبار"، فإن النشاط الديني هذا العام اقتصر على زيارات خجولة إلى مقام السيدة زينب (ع)، دون أي تجمّع علني أو شعائر جماعية. حتى هذه الزيارات بقيت محاطة بهواجس أمنية، وسط وجود متزايد لعناصر من "أجهزة الأمن الجديدة وتعود أسباب الخوف والحذر من إقامة المجالس إلى:
السلطة الجديدة لا تعترف فعلياً بالتعددية المذهبية
النظام بقيادة الشرع لا يأتي من خلفية وطنية شاملة، بل من بيئة إرهابية، تنتمي لجبهة النصرة، التي تُكفّر المسلمين الشيعة وتستهدفهم عبر السيارات المفخخة وفي المساجد والحسينيات. ورغم محاولات تلميع الخطاب والرئيس الانتقالي، لا توجد ضمانات فعلية اليوم تحمي المسلمين الشيعة أو تطمئنهم أن ممارسة شعائرهم لن تُواجَه بالقمع. ومن الطبيعي الشعور بالخوف من (الاعتقالات، المداهمات، القتل..).
الذاكرة الجماعية الشيعية مثقلة بالمجازر
الشيعة في سوريا – خصوصاً في حلب، وريف دمشق – شهدوا مجازر وتهجيراً واضطهاداً مباشراً على يد الجماعات نفسها التي صعدت اليوم إلى الحكم. وبالنسبة لكثير من العائلات، أي شعيرة دينية قد تُستغل ذريعة للانتقام.
التحريض الطائفي لم يختفِ بل تغيّر شكله
قد لا يُطلق النظام الجديد التصريحات التكفيرية كما في السابق على العلن، لكن ضمنياً هذه العقلية ما زالت تحكم الجولاني وفريقه.
استهداف مزدوج
الحديث المتصاعد عن احتمال تطبيع بين سوريا وكيان الاحتلال، يضع الشيعة السوريين أيضاً في خطر لاستهداف متعدد الأبعاد. فالشيعة في سوريا – كجزء من الفكر المقاوم في المنطقة – يرتبطون فكرياً وثقافياً بخطاب معادٍ للتطبيع، ويؤمنون بأن القضية الفلسطينية جزء من العقيدة، لا مجرد موقف سياسي. وبالتالي، فإن أي انخراط في مسار فتح العلاقات الطبيعية بين سوريا والكيان سيتطلب بالضرورة تحجيم الأصوات المناهضة له، وفي مقدمتها الطائفة الشيعية، وهذا ما سيضع الوجود الشيعي تحت مزيد من الاضطهاد.
ما بين شيعة سوريا وشيعة البحرين
يتشابه اليوم وضع الشيعة في سوريا بوضع شيعة البحرين على عدة مستويات:
التهميش السياسي الممنهج
في البحرين: رغم أنهم يشكّلون الأغلبية السكانية، يُمنَع الشيعة من التمثيل السياسي الحقيقي، وتُدار الدولة عبر منظومة طائفية تقصيهم.
في سوريا اليوم: وإن لم يكن الشيعة أغلبية، إلا أنهم يُقصَون، وتُمنع شعائرهم، كما يحصل في عاشوراء.
الرقابة الأمنية على الشعائر
في البحرين: تُمنع مواكب عاشوراء، وتُراقَب الخطب، ويُستدعى العلماء الشيعة للتحقيق معهم، والكثير منهم يسجن ويعذب.
في سوريا الآن: الترقب هو المسيطر، وغياب المواكب نابع من شعور حقيقي بالتهديد تحت حكم لا يُؤمَن جانبه.
الاتهام بالولاء "للخارج"
في البحرين: يُتّهم الشيعة بالولاء لإيران، وتُستعمل هذه التهمة لتبرير قمعهم.
في سوريا: بدأت تظهر نغمة مشابهة، تُصوّر الشيعة "كأدوات" لمحور المقاومة، ما يبرر التحجيم والتحذير منهم في الإعلام الجديد الموالي للنظام.
كسر الرابط مع فلسطين والمقاومة
البحرين كانت من أوائل الدول التي طبّعت، وقُمعت الأصوات الشيعية التي رفضت القرار آنذاك.
في سوريا: المسار نفسه قد يُعاد، حيث يُجبر المسلمين الشيعة السوريين على الصمت، أو يُحاصَرون لأنهم ما زالوا يرون في فلسطين قضية يتوجب الوقوف إلى جانبها.
الكاتب: غرفة التحرير