الإثنين 08 أيلول , 2025 03:10

سلسلة الإلغاء في سوريا "3": العنف الممنهج وسياسة الإعدامات

معدلات القتل في سوريا ترتفع في ظل حكم الجولاني

لم تمضِ تسعة أشهر على سقوط النظام حتى تكشّف وجه آخر من وجوه الكارثة السورية. فبحسب تقرير المرصد السوري لحقوق الإنسان، بلغ عدد القتلى منذ 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 وحتى 6 أيلول/سبتمبر 2025 نحو 10672 شخصاً، بينهم 8180 مدنياً، بالإضافة لـ 438 طفلاً و620 سيدة. هذه الأرقام وحدها تختصر فداحة الانهيار فسقوط النظام لم يجلب "انتقالاً سلساً" كما كان يقال في الخطابات أو بناءً لسلطة تحكم بالعدل، بل فتح الباب أمام فوضى منظمة تُدار على يد أحمد الشرع وأدواته، متسترة خلف جماعات مسلحة لتنفذ سياسة إلغاء ممنهجة.

الفوضى لم تكن مجرد انفلات عابر، بل أخذت طابعاً منهجياً. فالتقرير يوثّق 3020 حالة إعدام ميداني على الهوية وبحسب الطائفة، معظمها جرى في شهر آذار الذي شهد 1726 حالة قتل جماعي. هذا الرقم يكفي لإظهار أن القتل لا يمارس صدفة، بل وفق خطة مدروسة تهدف إلى تصفية الخصوم سياسياً وطائفياً، وإعادة رسم الخريطة السكانية بما يضمن استمرار السلطة الجديدة.

الميليشيات كسلطة موازية

في هذا السياق برزت فصائل مثل الحمزات والعمشات كأدوات رئيسية بيد الشرع. فهذان الفصيلان، اللذان تورطا سابقاً في انتهاكات واسعة في عفرين وريف حلب من نهب، تهجير، واعتداءات موثقة، أعيد دمجهما في الجيش الجديد ولكن بشكل غير معلن للمساعدة على الجرائم التي يرتكبها الشرع. شهادات من الساحل السوري أكدت أن عناصرهما كانوا في مقدمة المنفذين لعمليات التصفية والنهب والحرق في بانياس وجبلة، فيما اكتفت السلطة بإنكار أي تبعية مباشرة لهم، لتبرّئ نفسها شكلياً وتترك "الفصائل" في الواجهة. بهذه الطريقة يتخفى الشرع خلف جماعات معروفة بتاريخها الأسود، فيمارس سياسة القمع دون أن يُسجَّل اسمه مباشرة على لائحة القتلة.

الأخطر أن الطابع الطائفي أصبح سمة مركزية لمرحلة ما بعد سقوط النظام. فعمليات التصفية على الهوية، والاعتقالات العشوائية التي تطال مدنيين وأطباء وضباطاً سابقين، تكشف أن الشرع يسعى لتصفية كل من يختلف معه. بذلك يتضح أن الحديث عن "بناء دولة جديدة" ليس سوى شعار فارغ. فالإعدام على الهوية لا ينتج استقراراً، بل ينتج دورات ثأر ويشرعن العنف المضاد ويقوّض أي مسار عدالة انتقالية.

الدولة بين العجز والرضا

إذا لم يكن للشرع علاقة بدوامة هذا العنف كما يُدّعى، فإن السؤال الجوهري يظل قائماً: لماذا لا تُحاسَب الميليشيات التي ترتكب الجرائم بحق المدنيين؟ هل يمكن أن يصل عدد الضحايا إلى أكثر من عشرة آلاف إنسان في مشهد دموي واسع، والدولة تقف عاجزة عن الضبط أو غير راغبة في التدخل؟ أمام هذا الواقع نجد أنفسنا أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن قبضة الدولة ضعيفة إلى الحد الذي يجعلها غير قادرة على كبح جماح الميليشيات، وهو ما يكشف هشاشة مؤسساتها وأجهزتها الأمنية وخصوصاً أنها ما تزال حديثة العهد فماذا تترك للمستقبل؟ وإما أن الدولة راضية، بل وربما متواطئة، حيث تريد لهذه الممارسات أن تستمر لتخدم أجندات سياسية وطائفية، في عملية إلغاء منظم لا يُراد لها أن تتوقف. ويبدو الاحتمال الثاني أكثر منطقية في ضوء حجم الجرائم، واستمرارها الممنهج، وصمت الأجهزة الرسمية الذي لا يشي بالحياد، بل يوحي برغبة دفينة في استمرار ما يحصل.

الشرع يضعف حكمه بيديه

بات واضحاً أن أحمد الشرع يضعف حكمه بيديه من خلال سياسات العنف المتواصل وعدم مساءلة الميليشيات التي ترتكب الإعدامات الميدانية والقتل الطائفي. فكل عملية قتل، تعمل على تقويض الثقة بالسلطة، وتؤسس لفراغ أمني دائم يعيق أي محاولة لإعادة بناء الدولة أو مؤسساتها. وهذه السياسة لا تحمي حكمه بل تضعه على طريق الانهيار، إذ أن استمرار العنف يولّد عداء داخلياً ويقوض الحاضنة الشعبية للحاكم، ويزيد من احتمالات الانشقاق بين قواته الخاصة أو المدنيين الذين كانوا يثقون بالدولة.

من خلال رصد الأحداث وفق ما وثقه المرصد السوري لحقوق الإنسان، يظهر بوضوح أن حكم أحمد الشرع لم يحقق استتباب الأمن في أي محافظة. استمرار الهجمات بالعبوات الناسفة والسيارات المفخخة، إلى جانب القصف الإسرائيلي والتركي على بعض المناطق، يعكس ضعف السيطرة الفعلية للدولة على الأرض. وارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين، مع استهداف النساء والأطفال، يوضح أن الانفلات الأمني ليس نتاج ظروف عرضية، بل نتيجة لإدارة تسمح للجماعات المسلحة بالتحرك بحرية شبه مطلقة. هذا الواقع يعكس أن الشرع لم يضع سياسات حقيقية لضبط الفوضى، ما يؤكد هشاشة مؤسسات الدولة وتهديد استمرارية حكمه إذا استمر العنف والطابع الطائفي للإعدامات الميدانية دون محاسبة.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور