الإثنين 08 أيلول , 2025 12:25

نيويورك تايمز: لا تزال علامات الاستبداد قائمة في سوريا

عناصر جيش الشرع يقومون بتذخير راجمة صواريخ خلال أحداث السويداء

يرصد هذا المقال الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز وترجمه موقع الخنادق الالكتروني، العديد من مؤشرات الاستبداد في سوريا، مثل قيام رئيسها المؤقت أحمد الشرع الجولاني، بإبقاء السلطة مركّزة بين يديه وأيدي مجموعة صغيرة من المقرّبين له، من بينهم إخوته. بالإضافة الى طريقة تعاملهم مع موجات "العنف الطائفي"، وغياب الشمولية، وتركيز السلطة في أيدي قلة من الأشخاص. واستنتج المقال بأن كل هذه المؤشرات تثير المخاوف من أن أسلوب الحكم لديهم لا يزال متجذّراً في الاستبداد.

النص المترجم:

اتخذ القادة الجدد في سوريا خطوات تهدف إلى إبعاد البلاد عن الحكم الديكتاتوري، مع خطط لإعادة هيكلة نظامي السجون والأمن اللذين شكّلا الركيزة الأساسية لحكم الخوف في عهد نظام الأسد السابق.
لكن طريقة تعاملهم مع موجات العنف الطائفي، وغياب الشمولية، وتركيز السلطة في أيدي قلة من الأشخاص، أثارت مخاوف من أن أسلوب الحكم المتطور لديهم لا يزال متجذّراً في الاستبداد.

فأكثر من 5 عقود تحت حكم عائلة الأسد، كانت سوريا دولة أمنية محكومة بالرعب، حيث مثّل نظام السجون أداة ورمزاً مخيفاً للترهيب. فقد انتشرت فيه عمليات التعذيب والإعدامات، وكان يُستخدم لاعتقال وإخفاء عشرات الآلاف من الأشخاص، ولإخضاع السكان تحت سيطرة قمعية.

وفي أيار/مايو، أعلنت وزارة الداخلية أنها ستعيد هيكلة نظامي الأمن والسجون، بهدف صون حقوق الإنسان وحفظ كرامة السجناء. وأشارت إلى أن ذلك قد يشمل بناء سجون جديدة كلياً أو ترميم القائم منها لتتلاءم مع المعايير الإنسانية. وقال المتحدث باسم الوزارة، نور الدين البابا، لصحيفة نيويورك تايمز: "إن زمن طغيان أجهزة الأمن قد انتهى".

مع ذلك، هناك مؤشرات عدّة على أن من أطاحوا بالرئيس بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي لم يتخلوا تماماً عن الأساليب القديمة. فالرئيس الجديد، أحمد الشرع، وهو إسلامي وقائد متمرد سابق، يحكم عبر إبقاء السلطة مركّزة بين يديه وأيدي مجموعة صغيرة من المقرّبين، بينهم إخوته.

وقالت منى يعقوبيان، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "من الناحية البنيوية لا يزال النظام رئاسياً قوياً شبيهاً بنظام الأسد. هناك مقاومة لفكرة اللامركزية ومنح المجتمعات المختلفة دوراً في الحكم"، مضيفة أن ذلك أمر أساسي في سوريا نظراً لتنوعها الديني والعرقي.

أما لارا نيلسون، مديرة السياسات في منظمة إيتانا سوريا البحثية، فرأت أن هناك "مؤشرات مقلقة على الاستمرارية". ومع ذلك، أكّد خبراء أن الفروقات بين الماضي والحاضر كبيرة. فقد رحّبت منظمات حقوقية بجهود إعادة هيكلة أسلوب الحكم البوليسي في سوريا، لكنها قالت إن من المبكر تقييم النجاح بشكل كامل.

فحين أعلنت وزارة الداخلية عن التغييرات في فروع الأمن في أيار/مايو، قالت إنها ستنشئ مكاتب حكومية لتلقي الشكاوى ومتابعة المساءلة. وهو أمر بعيد جداً عمّا كان عليه الوضع في أيام الأسد، حين كان السوريون يخافون مجرد الاقتراب من المباني الأمنية. وقالت يعقوبيان: "هذه خطوات مهمة، وتوحي بأن قادة سوريا عازمون على عدم العودة إلى الطريق نفسه للحكومة السابقة. وهذا أمر مشجّع".

أما الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في وقت لاحق من هذا الشهر، فقد استُقبلت بداية كخطوة نحو نظام أكثر ديمقراطية، لكنها تحوّلت إلى موضع جدل. فمن أصل 210 مقاعد، سيُعيَّن ثلثها مباشرة من قبل الرئيس، فيما سيُنتخب الباقون عبر هيئات انتخابية محلية تُشكّلها الحكومة، مع تخصيص خمس المقاعد للنساء.

وأعلنت لجنة الانتخابات الأسبوع الماضي تأجيل التصويت إلى أجل غير مسمّى في ثلاث محافظات لا تسيطر عليها الحكومة، وعوضاً عن ذلك عيّنت مرشحين لتمثيلها، وفقاً لوسائل الإعلام الرسمية. وكان ذلك تذكيراً صارخاً بالتحديات التي يواجهها الشرع في توحيد بلد مزّقته حرب أهلية دامت نحو 14 سنة.

وكانت الإدارة الذاتية بقيادة الأكراد، التي لا تزال تسيطر على أجزاء واسعة من شمال شرق سوريا، قد أجرت مفاوضات مع الحكومة المركزية في دمشق للاندماج في البنى السياسية والعسكرية الوطنية. لكن هذه المفاوضات توقفت الآن. وقد انتقدت القيادة الكردية الانتخابات ووصفتها بأنها "محاولة لإعادة إنتاج السياسات الإقصائية التي حكمت سوريا لعقود"، مؤكدة أنها لا تعبّر عن إرادة الشعب.

وأدّى غياب الشمولية في اتخاذ القرار إلى انعدام الثقة بالحكومة بين الأقليات مثل المسيحيين والعلويين والدروز والأكراد، وهو ما يشكّل التحدي الأكبر ربما أمام توحيد البلاد. ويرى بعض الخبراء أن تعيين ممثلين عن الأقليات في المناصب الحكومية لا يتعدى كونه رمزياً.

وقالت ديمة موسى، المحامية والناشطة المعارضة السابقة في عهد الأسد: "ما يثير قلقي الأكبر هو عدم الشمولية أو الانفتاح على من لديهم انتماءات سياسية مختلفة".

وقد برز الشرخ جلياً من خلال 3 موجات من العنف الطائفي الدموي خلال الأشهر الستة الماضية، تورّطت فيها قوات الحكومة أو مؤيدوها. وفي آخرها، قُتل المئات في تموز/يوليو بمحافظة السويداء الجنوبية بعد اشتباكات بين قبائل بدوية مسلّحة والأقلية الدرزية.

وأكدت منظمات حقوقية أن القوات المرتبطة بالحكومة ضُبطت في جميع الحالات الثلاث وهي ترتكب عمليات قتل خارج القانون وأعمال عنف أخرى بدافع الثأر أو الطائفية. وأدانت الحكومة أعمال القتل هذه، التي قالت إن منفذيها تصرّفوا خارج القانون، وأعلنت فتح تحقيقات.

وقال المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، أمام مجلس الأمن مؤخراً: "إن البلاد لا تزال شديدة الهشاشة، والمرحلة الانتقالية تقف على حافة الخطر". وأضاف: "السوريون بحاجة إلى أن يشعروا بأن هذه المرحلة الانتقالية ليست مجرد ترتيبات عشوائية ومؤسسات معزولة، بل مسار واضح وشامل يقوم على الشمولية والشفافية". وحذّر من أنه من دون إصلاحات جدّية ومؤسسات حكومية أكثر قوة، تخاطر سوريا بفقدان الدعم الدولي الحيوي.

وقد قوّض العنف الطائفي والثأري ما أعلنته الحكومة من أولويات، مثل ترسيخ الأمن والاستقرار، وتعزيز السلام الداخلي، وتوحيد البلاد. وقالت يعقوبيان إن الاختبار الحقيقي سيكون في تنفيذ الإصلاحات المقررة وضبط أجهزة الأمن.

وقالت ديمة موسى، التي باتت ناشطة في مجال حقوق المرأة: "لا يزال هناك مجال واسع للتحسين. ونعتقد أنه في هذه المرحلة كان يجب أن تكون الإنجازات أبعد مما هي عليه الآن، خصوصاً في قضايا مثل الاقتصاد والأمن، وكذلك في إعادة هيكلة القوات المسلحة".

وتضمّ حكومة الشرع بعض الوزراء من ذوي الخبرة المهنية القادمين من الشتات السوري، إضافة إلى أعضاء من الأقليات وامرأة واحدة. وقد ساهم ذلك جزئياً في إظهار التزامه المعلن بإدارة أكثر شمولية.

لكنّه عيّن مقرّبين منه في الوزارات الأقوى مثل الدفاع والخارجية والداخلية، معتمداً على دائرة ضيّقة من الموالين الذين رافقوه خلال سنوات قيادته لجماعة "هيئة تحرير الشام" الإسلامية المتمرّدة.

وزير الداخلية، أنس خطّاب، كان يشرف على الأمن الداخلي للجماعة، التي كانت في السابق مرتبطة بتنظيم القاعدة. وهو اليوم يتولى مسؤولية إعادة بناء وتنظيم أجهزة الأمن والشرطة.

وبعد أن استولى المتمرّدون على السلطة، جرى عزل جميع ضباط الشرطة والأمن، الذين كانوا يُنظر إليهم كأدوات في نظام الأسد القمعي. وقد سُمح لاحقاً لبعض عناصر الشرطة بالعودة إلى وظائفهم، فيما جرى تجنيد آلاف الضباط الجدد خلال الأشهر التسعة الماضية، وخضعوا لبرنامج تدريب سريع يهدف إلى دفعهم للعمل في الشوارع بأسرع وقت ممكن.

أما وزير الخارجية، أسعد الشيباني، فقد رافق الشرع لسنوات، وكان سابقاً مسؤولاً عن العلاقات الخارجية لـ"هيئة تحرير الشام" (HTS) أما دوره اليوم، فيتجاوز بكثير ملف العلاقات الخارجية لسوريا، ليصبح أشبه برئيس وزراء، إذ يرفع إليه العديد من الوزراء تقاريرهم، بحسب مسؤولين أجانب يتعاملون مع الحكومة.

وقالت السيدة نيلسون، مديرة السياسات في إيتانا: "ما رأيناه لا يتعدى إشراكاً رمزياً لبعض الوزراء الشكليين الذين لم يُمنحوا أي سلطة. فما زالت هيئة تحرير الشام تسيطر على مفاصل القوة الرئيسية في الحكومة".


المصدر: نيويورك تايمز - Newyork Times

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور