الثلاثاء 01 تموز , 2025 02:41

هآرتس تنشر "خرائط مرعبة": صواريخ إيران دمّرت أحياء إسرائيلية بالكامل

يستعرض هذا المقال الذي نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، خرائط لعدة مناطق في فلسطين المحتلة، وكيف تأثّرت لموجات الصدمة الناتجة عن الصواريخ الباليستية الإيرانية، والتي كانت مدمّرة بقدر الضربة المباشرة وفقاً لتوصيفهم.

وكشف المقال بأن موجات الصدمة والتأثير المباشر للصواريخ الإيرانية الثقيلة بدمار امتد لمئات الأمتار، بحيث تضررت آلاف المنازل والمباني، بعضها تضرر بشدة، مع انهيار جدران داخلية وخارجية، بينما اقتصر الضرر في مبانٍ أخرى على النوافذ وإطارات الأبواب.

النص المترجم:

تحوّل الأمر إلى طقسٍ متكرّر على مدى 12 يوماً من الحرب مع إيران. بعد سقوط صاروخ في منطقة مأهولة، كانت الفوضى تعمّ المكان: سيول من المياه، خراطيم الإطفاء متناثرة على الأرض، صفارات الإنذار تدوي، سحب من الغبار، وسكان يركضون لإنقاذ الأرواح.

بعد 12 ساعة، ومع انتهاء أعمال الإنقاذ والتعرف على الضحايا، يسود الهدوء. تُنصب أسوار من الألمنيوم الأبيض، تُستخدم عادة في مواقع البناء. يجلس حراس بسترات فسفورية على مداخل الأبنية، بينما يحدّق السكان المصدومون، وقد شُرّدوا من منازلهم، في المشهد الجديد. بين الحين والآخر، تنهار قطعة إضافية من مبنى ما – أحياناً من الزجاج، وأحياناً من الخرسانة.

في ضاحية رامات غان قرب تل أبيب، اقتربت عائلة من حطام سيارتها المدفونة تحت أنقاض منزلها؛ كان المبنى قد تعرّض لأضرار تراوحت بين الخفيفة والمتوسطة. فتحوا أبواب السيارة بحثاً عما يمكن إنقاذه، لكنهم غادروا بعد لحظات. لم يكن هناك ما يستحق الاحتفاظ به.

في عموم إسرائيل، تسببت موجات الصدمة والتأثير المباشر للصواريخ الإيرانية الثقيلة بدمار امتد لمئات الأمتار. تضررت آلاف المنازل والمباني، بعضها تضرر بشدة، مع انهيار جدران داخلية وخارجية، بينما اقتصر الضرر في مبانٍ أخرى على النوافذ وإطارات الأبواب.

العنصر المشترك بين كل هذه الحالات هو الإنسان الذي اقتُلِع من منزله، وسيظل يشعر بآثار هذه الصدمة لسنوات.

في تل أبيب، تضرر 480 مبنًى في خمسة مواقع مختلفة، العديد منها تعرّض لأضرار جسيمة. في رامات غان، تضرر 237 مبنًى في ثلاث مناطق، نحو 10 منها تضررت بشكل بالغ. وفي ضاحية بات يام، تضرر 78 مبنًى بصاروخ واحد، وسيُضطر إلى هدم 22 منها.

وقد تلقّت سلطة الضرائب الإسرائيلية طلبات مساعدات مالية تخص نحو 33 ألف مبنًى متضرر. كما تم فتح 4,450 ملفاً لخسارة ممتلكات ومعدات، و4,119 ملفاً آخر للمركبات المتضررة.

معظم البلديات تسعى إلى هدم المباني المدمّرة بأسرع وقت ممكن، وأحيانًا خلال بضعة أيام فقط. يعود ذلك في الغالب إلى خطورة بقاء المباني، لكنه أيضًا يهدف إلى إزالة هذا الجرح القبيح في قلب الأحياء السكنية. ولم يُمنح السكان سوى فرصة قصيرة جدًا لاسترجاع ممتلكاتهم.

يقول رجل ساعد عائلة في بات يام: "هذا استغلال كامل."
ويضيف:
"
لمدة أسبوع، ونحن نلاحق الحكومة، وقيادة الجبهة الداخلية، والبلدية، وسلطة الضرائب، والشرطة، لنعرف ما الذي علينا فعله بالممتلكات في بيت لم يعد له لا باب ولا نوافذ، ثم فجأة أبلغونا بأن أمامنا ساعتين ونصف فقط لنأخذ أهم ما يمكن حمله. وبعد ذلك خفّضوا المدة."

ويتابع:
"
قالت لنا قيادة الجبهة الداخلية: أمامكم 15 دقيقة فقط، ويمكنكم حمل حقيبتين لا أكثر. لا نعلم متى سيُهدم المبنى أو إن كنتم ستحصلون على فرصة أخرى.
عندها أدركنا أننا لن نستطيع إنقاذ أي قطعة من الأثاث. نحن نتفهم ذلك لأسباب تتعلق بالسلامة، لكن حزم جميع ممتلكاتك، وملابسك، وصور عائلتك، ومجوهراتك – ومئة ألف تفصيلة صغيرة جمعتها على مدى العمر – هذا ما كنا نريده فعلاً."

الجيش لم يُفاجأ بحجم الأضرار التي تسببت بها صواريخ إيران؛ إذ يقول إن الأضرار المحيطة بمواقع السقوط كانت ضمن التوقّعات.
"
المواقع التي تُجري فيها قيادة الجبهة الداخلية تدريبات الإنقاذ، تبدو تمامًا كالمواقع الحقيقية التي ضربتها الصواريخ" بحسب أحد الضباط.

عندما يتعلّق الأمر بالأضرار الجانبية، فإن المباني الأحدث – مثل أحد المباني التي أُصيبت في تل أبيب وآخر في ضاحية بيتاح تكفا – تكون عادةً أكثر قدرة على الصمود.

يقول ضابط رفيع المستوى:
"
تأثير الانفجار وموجاته يختلف من مكان إلى آخر.
ذلك يعتمد على ما إذا كان هناك ضرر أصاب النواة الصلبة للمبنى – وهي الجزء المصمّم لامتصاص الضرر والطاقة – أو ما إذا كان الضرر قد لحق بجزء آخر من المبنى أو بموقع قريب منه، مما يؤدي إلى توسّع نطاق الانفجار."

في الواقع، وفي حالتين كان فيهما الضرر واسع النطاق – في تل أبيب ورامات غان – سقطت الصواريخ في الشارع، وليس مباشرة على مبنى. وقد دمّرت موجات الصدمة جميع المباني المحيطة.

يقول ضابط كبير في قيادة الجبهة الداخلية:
"
هكذا يبدو مشهد الدمار في بيئة حضرية. القنابل التي أسقطناها في لبنان تسببت بالتأثير نفسه."

ويتابع:
"
لكن (في إسرائيل) عدد الضحايا كان مختلفًا. لدينا فقط 29 قتيلاً، وليس مئات، لأن الناس هنا يمكنهم الدخول إلى أماكن محصّنة وإغلاق الأبواب."

أملٌ في إنقاذ منزل

بعد الساعة 11 مساءً بقليل، في إحدى ليالي الحرب المبكرة مع إيران، دوّى انفجار قوي أزعج سكان قرية طمرة في الشمال. فقد سقط صاروخ باليستي على بُعد أمتار قليلة من منزل عائلة ياسين. في الطابق الثالث والأخير، كان فادي ياسين (40 عاماً) يعيش مع زوجته وابنه. أما والداه فكانا يقطنان في الطابق الثاني، وشقيقه في الطابق الأرضي.

يقول فادي:
"
كنت مع زوجتي وابني في حيفا، وتلقيت تنبيهاً من تطبيق الإنذار يتعلق بطمرة. أرسلت رسالة على مجموعة العائلة في واتساب، لكن لم يردّ أحد. شعرت بشيء سيئ. عدت فوراً إلى طمرة، وطوال الطريق كنت أعيش حالة إنكار."

في تل أبيب ورامات غان، حيث كانت الأضرار الأوسع، لم تصب الصواريخ مبانٍ مباشرة، بل سقطت في الشوارع، لكن موجات الصدمة دمّرت الأبنية المحيطة.

يواصل فادي:
"
عندما وصلت، رأيت حجم الدمار الهائل الذي لحق بمنزلنا، لكن وجدت والديّ على قيد الحياة. كانا قد احتميا في درج المبنى. الصاروخ سقط على بُعد 7 إلى 8 أمتار منهما. لكن سرعان ما وصلتنا الأخبار السيئة عن جيراننا."

كان جيران فادي من عائلة الخطيب. نجا رجا الخطيب من الهجوم، لكنه فقد زوجته منار (45 عاماً) وابنتيه: هلا (13 عاماً) وشذى (20 عاماً). كما توفيت شقيقة زوجته، وتدعى أيضاً منار (41 عاماً)، وكانت تعيش في الطابق العلوي مع شقيقه وابنه.

يقول المهندس مصطفى أبو الهيجا، المشرف على إعادة الإعمار في طمرة، إن منزل آل ياسين مرشح أيضاً للهدم. لكن فادي ياسين يقول إن العائلة لا "تتعجل الهدم".
"أولاً سنهدم الطابق العلوي حيث كنت أعيش. بعد ذلك، سنستدعي مهندساً ليحدد ما إذا كان بالإمكان إنقاذ الطابق الثاني حيث يعيش والداي."

ويضيف:
"
والداي بنيا هذا المنزل بأيديهما، حجراً حجراً، على مدى سنوات طويلة. عشنا فيه 25 عاماً، والآن لم يعد موجوداً. جمعنا صوراً ممزقة من تحت الأنقاض وحاولنا تركيبها من جديد.

"حدثت أشياء كثيرة في هذا المنزل – أعراس، ولادة أحفاد، أعياد. كل ذكرياتنا، التي تشكّل هويتنا، كانت هناك، وهي الآن مدفونة تحت الركام. لا يمكننا استيعاب ذلك بعد. لكن في النهاية، الألم الأكبر هو ألم جيراننا."

ووفقاً للبلدية، فإن أعمال إعادة الإعمار ستستغرق نحو عام. وتضررت ثلاثة منازل مجاورة بشدة، إلى جانب منازل أخرى، وستحتاج إلى عدة أشهر لترميمها.

"خرجنا من هذه الحرب بأقل الأضرار"

في صباح أحد أيام الخميس، عندما تلقت رامات غان الضربة المباشرة الثالثة من الحرب، ظنّ ران ماس أن الصاروخ الأخير سقط أمام منزله في حي "ريشونيم". كان في ملجأ قريب، وشعر بالأرض تهتز.

يقول ماس:
"
سمعنا أصوات اعتراضات أو صواريخ تسقط في البعيد، لكن عندما يسقط صاروخ قريب جداً منك، لا يمكن أن تخطئ الإحساس به."

في الواقع، سقط الصاروخ على بُعد نحو 300 متر. لكن مع نوعية الصواريخ التي استخدمتها إيران، كانت تلك المسافة كافية لإحداث دمار استثنائي.

يقول ماس (36 عاماً)، وهو يعمل في قطاع التعليم:
"
خرجت من الملجأ وفهمت فوراً حجم ما حدث. كل المحلات على الشارع تحطّمت نوافذها، وامتلأت الأرض بالبوابات المعدنية. توقعت أن منزلي قد تضرر أيضاً."

في البداية، بدا له أن بيته لم يتأذَّ كثيراً، فالنوافذ الشرقية كانت سليمة. لكن عندما اقترب من المبنى ودخل شقته، أدرك أن تلك النوافذ كانت الوحيدة التي نجت.

"كل النوافذ الأخرى انفجرت. الأبواب المنزلقة داخل الشقة خرجت من مكانها، وحتى الباب الرئيسي كذلك" يقول.

لذلك اتّبع ماس نصائح السلطات وتوجّه إلى أقرب مركز إجلاء، ومن هناك تم نقله إلى فندق في حي "نيفيه تسيدك" الراقي في تل أبيب. ومنذ ذلك الحين، كان يعود كل يومين إلى منزله لمتابعة بدء أعمال الترميم.

ويقول إنه في المناطق البعيدة نسبياً عن نقطة السقوط، نجت بعض المباني تماماً، بينما تضررت مبانٍ مجاورة لها بشدة، وهذا ما تُظهره خرائط مهندسي رامات غان.

"الفارق بين المباني الجديدة والقديمة كبير جداً، مثل المبنى الذي أعيش فيه" يقول ماس.
"
حتى في الأماكن الأقرب لموقع السقوط، هناك مبانٍ مجددة ولم تتضرر تقريباً."

حفر الملاجئ وصيانتها مكلف، لكن الإحصاءات تثبت أن البقاء تحت الأرض له أهمية بالغة.

يقول ضابط من قيادة الجبهة الداخلية:
"
في منطقة ماس، تضررت 107 مبانٍ. وفي الضربات الثلاث المباشرة على رمات غان، تضرر 257 مبنًى، تضم آلاف الشقق. نحو 10 مبانٍ منها اعتُبرت خطرة وستُهدم فوراً."

ماس، الذي يصرّ على العودة إلى منزله بأسرع وقت ممكن، كان من بين 3,000 شخص تم إجلاؤهم إلى فنادق في أنحاء البلاد. وقد أعلنت السلطات أن معظمهم سيعود إلى منازلهم في مطلع الأسبوع، بعد استكمال الإصلاحات الأساسية.

تعتبر قيادة الجبهة الداخلية أن من الإيجابيات أن أي مبنًى لم ينهَر بالكامل. ففي بات يام انهارت واجهة مبنى، وفي ضاحية حولون انهار طابقان، وكذلك حدث في موقع داخل تل أبيب، لكن لم تسقط مبانٍ على سكانها.

"خلافاً للزلازل، من الصعب إسقاط مبنًى بصاروخ ما لم يُصِب العمود الحامل" يقول أحد الضباط.

مثال على ذلك مبنًى في شمال تل أبيب، أُصيبت أعمدته الحاملة وانسلخت واجهته بعد سقوط صاروخ بينه وبين صف من البيوت الخاصة. ومع أن المبنًى بات مصنّفاً للإخلاء، إلا أنه لا يزال قائماً، وكل من كان داخل الملجأ فيه نجا.

"خرجنا من هذه الحرب بأقل الأضرار، وأود أن أشكر كل من اتخذ قرارات تتعلق بالدفاع المدني منذ عام 1991"، يقول الضابط، مشيراً إلى العام الذي ضربت فيه صواريخ صدام حسين إسرائيل.

ويضيف:
"
هذه الحرب علّمتنا أيضاً أنه، إذا أردنا الواقعية، فلا مفر من العودة لحفر الملاجئ. صحيح أن ذلك مكلف، لكن الأرقام تظهر أن البقاء تحت الأرض يُحدث فارقاً كبيراً.

"في الشمال، علّمنا الجنود كيف يحفرون خنادق كما في الأيام الخوالي، وقد أنقذت هذه الأرواح. في هذه الحرب، هناك تكنولوجيا فائقة، لكن لا يمكن تجاهل دروس الماضي."


المصدر: هآرتس

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور