الثلاثاء 01 تموز , 2025 04:15

أزمة ثقة مستمرة.. مكانة نتنياهو الداخلية بعد الحرب على إيران

نتنياهو والدمار في إسرائيل وعلم أميركا وإسرائيل

شهدت الساحة الداخلية في الكيان المؤقت في أعقاب الحرب الإسرائيلية على إيران تحوّلات سياسية وأمنية، أثارت تساؤلات حول تداعيات المواجهة على مكانة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. فبينما حاول نتنياهو تسويق العملية العسكرية كإنجاز استراتيجي قادر على تجاوز إخفاقات سابقة، خصوصاً أحداث 7 أكتوبر 2023، أظهرت مؤشرات داخلية عدة حدود هذا التأثير، سواء من حيث ثقة الجمهور، أو استقرار الائتلاف الحاكم، أو ردود الفعل السياسية والإعلامية.

استطلاعات الرأي

تشير النتائج التي نشرتها مختلف المراكز ووسائل الإعلام العبرية إلى تفاوت ملحوظ في تقييم الرأي العام تجاه الحرب مع إيران وتأثيرها السياسي، ويمكن تلخيص أهم جوانب هذا التفاوت كما يلي:

- شعبية نتنياهو وحزب الليكود: أظهرت استطلاعات هيئة الإذاعة الإسرائيلية "كان" وتحليل تاتيكا ارتفاعًا مؤقتًا في شعبية الليكود وعدد مقاعده، في حين أظهرت استطلاعات لاحقة مثل معاريف وإسرائيل هيوم تراجعاً في دعم الحزب، مما يعكس تقلبات مزاج الرأي العام خلال فترة قصيرة.

- تقييم الانتصار في الحرب: تباينت الآراء حول مدى نجاح الحرب، حيث أظهر استطلاع يديعوت أحرونوت تشاؤماً واضحاً (16% فقط من الإسرائيليين يعتقدون ان إسرائيل ربحت الحرب مع إيران. 50% قالوا ان إسرائيل لم تنتصر في هذه الحرب، 30 %رأوا ان إسرائيل حققت بعض الأهداف) بينما عبّرت استطلاعات يسرائيل هيوم عن تفاؤل نسبي، وجاءت نتائج معاريف متوسطة بين الطرفين.

- نوايا التصويت وتوزيع المقاعد البرلمانية: تفاوتت التوقعات البرلمانية بشكل واضح، مع اختلافات في عدد مقاعد الليكود وحلفائه مقابل المعارضة، مما يعكس حالة عدم استقرار سياسي وعدم وضوح الرؤية تجاه الانتخابات المقبلة.

موقف المعارضة الإسرائيلية

تميّز موقف المعارضة بمفارقة لافتة خلال الحرب، فزعيم المعارضة يائير لابيد، الذي كان من أشدّ المنتقدين لنتنياهو بسبب حرب غزة، أعلن دعمه لعملية استهداف المنشآت النووية الإيرانية، وعبّر عن "وحدة إسرائيلية ضرورية في مواجهة التهديد الإيراني". كذلك، سارع عدد من قيادات المعارضة إلى الامتناع عن شنّ هجمات سياسية علنية على نتنياهو خلال أيام التصعيد، في خطوة رأى فيها بعض المراقبين محاولة لتفادي التورط في سجالات سياسية في لحظة أمنية حساسة. إلّا أن هذا التماسك بدا هشاً، إذ عادت الأصوات المعارضة لتنتقد إدارة نتنياهو للملف الفلسطيني، واعتبرت أن تصعيده في غزة يخدم أهدافاً سياسية تتعلق ببقائه في السلطة، لا بمصلحة الأمن القومي.

واقع ائتلافي هشّ ومعارضة فاعلة

رغم تقدم الليكود نسبياً، فإن استطلاعات مثل "تاتيكا" و"معاريف" تشير إلى أن نتنياهو لا يزال عاجزاً عن ضمان أكثرية برلمانية مريحة. ففي بعض السيناريوهات، لا يتعدى ائتلافه 52 إلى 56 مقعداً، مقابل 57 إلى 60 للمعارضة، مما يُبقيه في موقع غير آمن سياسياً، ويجعل حكومته عرضة للسقوط.

في هذا السياق، أثار الحديث عن صفقة سياسية أمريكية تشمل إنهاء الحرب في غزة وربطها بخطة سياسية نحو دولة فلسطينية، استياءً كبيراً بين حلفاء نتنياهو في اليمين المتشدد (سموتريتش، بن غفير)، إلى حد التهديد بإسقاط الحكومة خلال "عشر دقائق" إن مضى في هذا الاتجاه.

العلاقة مع الولايات المتحدة - دعم كبير ومشروط من ترامب

- إشادة شخصية غير مسبوقة: ترامب وصف نتنياهو بـ"بطل الحرب"، و"أعظم محارب في تاريخ إسرائيل"، ونسب له الفضل في القضاء على التهديد النووي الإيراني. هذا المديح تجاوز المألوف، وربطه بإنجاز سياسي-أمني استراتيجي.

- تدخل مباشر لحمايته: دعا ترامب صراحة لإلغاء محاكمة نتنياهو، وهدّد بوقف المساعدات الأميركية إن لم يحدث ذلك، مما يُظهر تدخلاً مباشراً في الشؤون الداخلية الإسرائيلية، في سابقة تُظهر مدى رهان ترامب على نتنياهو، لكنه يضع الأخير أيضاً في موقع التبعية السياسية.

- ضبط نتنياهو وتقييد تحركاته: رغم الدعم الواسع، فإن ترامب مارس ضغوطًا على نتنياهو لمنع التصعيد بعد وقف إطلاق النار مع إيران، وأمر بعودة الطائرات الإسرائيلية، مما يظهر أن الدعم الأميركي ليس مطلقاً، بل مشروط بتماشي نتنياهو مع الاستراتيجية الأميركية.

اتّسم وضع نتنياهو بعد الحرب على إيران بتحسّن محدود في صورته، لكنه لم يحقق اختراقًا سياسياً حاسماً. فبينما شهدت شعبيته ارتفاعاً طفيفاً، بقيت المكاسب مؤقتة، وسرعان ما تراجعت بحسب استطلاعات لاحقة. كما أن نتائج الحرب، ورغم ادّعاء أهميتها، نُسبت بشكل أساسي إلى الجيش وسلاح الجو والموساد، لا إلى نتنياهو نفسه، ممّا قلّل من قدرته على استثمار الإنجاز سياسياً لصالحه الشخصي أو الحزبي. وعليه لا يزال الواقع السياسي الداخلي معقداً: حكومة نتنياهو تواجه صعوبة في الاحتفاظ بأغلبية برلمانية، وتعاني من تململ داخل معسكرها اليميني، خصوصاً مع بروز خطط أمريكية تتضمن تسوية سياسية مع الفلسطينيين. في المقابل، لا تزال محاكمته جارية، وسط دعوات داخلية وخارجية لإيقافها أو العفو عنه، وهو ما يضعه في موقف هشّ سياسياً و"أخلاقياً". ورغم الدعم الكبير الذي حظي به من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بما في ذلك الثناء العلني والضغوط لوقف محاكمته، فإن هذا الدعم يبقى مشروطاً بمواقف نتنياهو وانصياعه للرؤية الأميركية، خصوصاً فيما يخص غزة والاتفاقيات الإقليمية.

في المحصلة، خرج نتنياهو من الحرب على إيران ببعض المكاسب التكتيكية، لكنه لا يزال يواجه أزمة ثقة داخلية عميقة، وانقساماً سياسياً حاداً، وملاحقة قضائية مستمرة، ما يجعله بعيداً عن حالة الاستقرار أو "الانتصار" السياسي الكامل.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور