السبت 28 حزيران , 2025 12:28

هل تكون إيران أمام جولة أخرى من التصعيد؟

مؤشرات التصعيد ضد إيران ما تزال مرتفعة

انتهت الجولة الأولى من العدوان الأميركي–الإسرائيلي على إيران بوقف لإطلاق النار، لكن دون تحقيق الأهداف الجوهرية التي صيغت كذرائع للضربة: إسقاط النظام، وإنهاء البرنامج النووي الإيراني وتدمير القدرات الصاروخية البالستية. وبعد أيام من إعلان نهاية الحرب، عادت واشنطن لتلمّح إلى احتمالية تصعيد جديد، عبر رسائل واضحة إلى مجلس الأمن، وتغريدات متضاربة من الرئيس ترامب نفسه، الذي حذر إيران "بالمزيد من السوء إن لم تعُد إلى النظام العالمي". وبينما يرفض مجلس الشيوخ تقييد سلطاته العسكرية، يلمّح ترامب إلى أن هذه الفترة مخصصة لتعويض "إسرائيل" عن خسائرها الدفاعية، ما يعزز فرضية أن الحرب لم تُقفل بالكامل، وأن جولة ثانية قد تكون قيد الإعداد.

فشل الجولة الأولى

رغم حجم الهجوم الإسرائيلي–الأميركي على إيران، لم تنجح الجولة الأولى في تحقيق أهدافها المعلنة. البرنامج النووي الإيراني لم يُدمَّر، بل بقيت منشآت حساسة مثل فوردو ونطنز في الخدمة ولو مع أضرار محدودة. على الجبهة السياسية، لم يتمكن الأميركيون من زعزعة النظام الإيراني، بل على العكس، أظهر الرد الإيراني قدرة على امتصاص الضربة ثم الرد بشكل منسّق ومدروس ومؤلم.

الجمهور الإيراني لم يتراجع، بل خرج مؤيداً للقيادة بعد الردود الصاروخية المتقنة، والتي لم تكتف بضرب العمق الإسرائيلي، بل امتدت لتشمل قواعد أميركية في الخليج، ما عزّز اللُحمة الوطنية. والأهم، أن تصريحات ترامب كشفت صراحة أن الهدف الأميركي لم يكن تقنياً بحتاً، بل سياسي–أيديولوجي. فهو قال إن "تغيير النظام" هو المطلب الحقيقي، لا مجرد تحجيم القدرات النووية. هذه الأهداف القصوى فشلت، ما يفتح الباب أمام محاولة أخرى قد تكون أشد وأخطر.

مؤشرات تصعيد بعد وقف إطلاق النار

رغم الإعلان الرسمي عن وقف إطلاق النار، إلا أن المؤشرات السياسية والأمنية الصادرة من واشنطن تؤكد أن خيار التصعيد لا يزال حاضرًا بقوة. ففي رسالة رسمية إلى مجلس الأمن الدولي، كشفت وكالة رويترز أن الولايات المتحدة أبلغت بأن "هدفنا هو تدمير قدرة إيران على التخصيب ووقف خطر امتلاكها سلاحاً نووياً".

كما أن الكونغرس الأميركي، وبشكل لافت، رفض مشروع قانون قدّمه الديمقراطيون لتقييد صلاحيات ترامب بشأن شن الحرب على إيران، ما يفتح الباب أمام قرارات فردية من الإدارة في حال تقرر العودة إلى العمل العسكري.

يُضاف إلى ذلك الانزعاج الأميركي مما اعتبروه "عناداً إيرانياً"، بعد أن رفضت طهران تقديم أي تنازلات سياسية أو تقنية في أعقاب المواجهة. بل خرجت القيادة الإيرانية بخطاب واثق يعيد تثبيت خطوطها الحمراء، ويعلن صراحة أن الرد كان مشروعاً ومتناسباً.

بالإضافة إلى أن وقف إطلاق النار الذي أنهى الجولة الأولى من العدوان لم يكن نتيجة لتفاهم بين إيران وكيان الاحتلال، بل جاء كحصيلة لتوازن الردع الذي فرضته الضربات الإيرانية الصاروخية لا سيما الضربة الإيرانية الأخيرة، وتداعياتها على الداخل الإسرائيلي والدور الأميركي. لذلك، يبقى هذا الهدوء هشاً. وكما أقرت وسائل إعلام العدو بأن "التهدئة الجارية ليست أكثر من حالة مؤقتة، وأنها مرهونة بشكل رئيسي بدور الولايات المتحدة في ضبط الإيقاع".

المشهد الإقليمي

 تتحرك أوروبا بدبلوماسية لا تخلو من الخبث، تحاول من خلالها تفكيك الجبهة الإيرانية سياسياً. وهذا ما يُعرف في أدبيات المواجهة بـ "دبلوماسية التفكيك"، أي خلق انقسامات داخلية أو الإيحاء بإمكانية الفصل بين الميدان والسياسة، لدفع إيران نحو التنازل التدريجي.

على خط آخر، يُرصد تضييق منهجي على دول محور المقاومة، سواء عبر العقوبات أو الضغط السياسي والأمني، بهدف شلّ قدرتها على الانخراط بأي مواجهة إقليمية أو فتح جبهات رديفة في حال اندلاع حرب جديدة. واللافت أن الولايات المتحدة وحلفاءها يواصلون تقديم دعم عسكري مكثف لكيان الاحتلال، بما يشمل أنظمة دفاع جوي وهذا ما ذكره ترامب في خطابه أمس، إلى جانب تكثيف الحضور البحري في الخليج، في مؤشر على تحضير استباقي لأي تطورات.

الوضع حالياً لم يعد إلى نصابه الطبيعي. الأمور ما زالت متوترة، وهناك احتمال لتجدد الجولات في أي وقت، إذا قامت "إسرائيل" مثلاً بتنفيذ عدوان أو عملية اغتيال غادرة. لذلك، فإن خيار عودة التصعيد مطروح، وليس شرطاً أن يكون في المنظور القريب، ولكن بشكل عام، هذا الجو سيظل قائماً كإحدى سمات المرحلة الراهنة، التي لم تخرج بعد من دائرة الخطر.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور