الأربعاء 02 تموز , 2025 03:19

هندسة التوازن الإقليمي: قراءة في مشروع التطبيع السوري – الإسرائيلي

نتيناهو وأحمد الشرع (الجولاني) وفي الخلف ترامب

تتحدث مصادر عبرية وسورية عن اقتراب تطبيع دمشق مع الكيان المؤقت. يتردد صدى عبارة "التطبيع مع إسرائيل" بشكل متزايد في جميع أنحاء سوريا، مما يُشير إلى بداية محتملة لعهد جديد في العلاقات السورية مع الكيان المؤقّت. والمفارقة أن التحول السوري في السياسة تجاه الكيان حدث في الوقت الذي يواصل فيه الكيان المؤقت احتلال المزيد من الأراضي السورية، واحتلال مصادر المياه الرئيسية، وبناء القواعد العسكرية، وتطهير القرى عرقيًا في الجنوب.

ويؤكد السفير الأمريكي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا، توماس باراك، أن الإدارة السورية الجديدة، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، تُجري محادثات هادئة مع الكيان المؤقت. وفي مقابلة مع قناة العربية، صرّح باراك بأن المحادثات تشمل النزاعات الحدودية، والتوغلات الإسرائيلية، وقضايا أوسع نطاقًا. وأكد أن القيادة السورية الحالية ليست في صراع مع الكيان المؤقت ولا تسعى إلى المواجهة، وحثّ المجتمع الدولي على منح سوريا فرصة. وتتناقل الأخبار العبرية عن "مصدر سوري مطلع" قوله إنه من المتوقع أن يوقع البلدان اتفاق سلام قبل نهاية عام 2025. الأميركي أيضًا قدم خطوات تحفيزية وأعلن الرئيس الأميركي ترامب رفع العقوبات عن سوريا إيذانًا بإنهاء العزلة السياسية والاقتصادية.

حاول الورقة قراءة خلفيات التطبيع والشكل المفترض للاتفاق وتداعياته الإقليمية والاستراتيجية. وفي محاولة قراءة مشهد الاتفاق، لا بد من التأكيد، بداية، على أن الاتفاق سيكون لمصلحة أميركا والكيان المؤقت في الدرجة الأولى، وناجم عوائد الاتفاق على الدولة السورية وشعبها لن يشكل تجربة مغايرة لواقع الدول التي سبق أن ركبت موج التطبيع (الأردن، مصر، السودان). تتوقع واشنطن وحكومة الكيان المؤقت من حكم الشرع توفير كافة مقتضيات رفع الشكوك والريبة المتعلقة بالخلفية الأيديولوجية. قد يتضمّن الاتفاق مراحل تضمن للكيان المؤقّت المماطلة بالوقت والزيادة في المكاسب والتحكّم بالأوراق. فالهدف ليس إلا بسط النفوذ الأميركي الإسرائيلي باستثمار السياسة البراغماتية الموالية والموافقة للهيمنة الإقليمية الإسرائيلية الغربية.

الخلفيات

- إحياء مسار التطبيع: نقلت القناة 12 عن نتنياهو قوله: "النصر في إيران يفتح الباب أمام توسيع اتفاقيات السلام". التطبيع مع سوريا وربط إنهاء حرب غزة بهذه الاتفاقية مخطط "خبيث" للمتاجرة بحياة من تبقى في غزة بمسار بيع القضية الفلسطينية.

- استمرارية تفكيك محور المقاومة: وفقًا لمصادر إسرائيلية، وُضعت عدة شروط مسبقة أخرى لعملية التطبيع. وتشمل هذه الشروط "منع انتشار القوات السورية أو المتحالفة مع إيران في جنوب سوريا، ونزع السلاح في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، ومنح إسرائيل حق التدخل العسكري متى شاءت في حال رصد أي تهديدات". وقد صرّح مسؤولون أمريكيون لقناة الجزيرة بالقول: "لدينا مصلحة مشتركة مع سوريا بمواجهة داعش والتهديدات الإرهابية الأخرى بما في ذلك وكلاء إيران".

- صناعة صورة نصر للرئيس ترامب: بعد الفشل الصهيو-أمريكي في استخلاص نتائج من حرب إيران، المضي باتفاقية تطبيع بين الكيان المؤقت وسوريا تعد إنجازًا للرئيس المتعطش لجوائز "صانع السلام" في وقت تقترب فيه الانتخابات النصفية، ولم يحقق حتى الآن ما وعد به منتخبيه.  

- التثبيت الأميركي لهيمنة الكيان المؤقت في المنطقة: في ظل ما يعانيه الكيان المؤقت بعد سنتين من الحرب في غزة دون نتائج سياسية استراتيجية، وبعد الحرب على لبنان والتشكيك بنتائج الحرب، وبعد جولة الحرب على إيران واتساع ثغرة النفوذ الاستراتيجي لكل من الكيان المؤقت وواشنطن، يشكل الاتفاق والإسراع فيه رافعة تهدف إلى إعادة التوازن بمحل ما للخلل الوظيفي والبنيوي للمشروع الأميركي الإسرائيلي في المنطقة.  

التداعيات على المنطقة

- توسع المخطط الاستعماري للكيان المؤقّت: في حديثه لقناة i24NEWS الإسرائيلية، قال ساعر: "إذا أتيحت فرصة لاتفاقية سلام أو تطبيع مع سوريا - شريطة بقاء الجولان في أيدينا - فستكون خطوة إيجابية لمستقبل إسرائيل". بحيث أن الاتفاق يؤمّن "نموذجًا جديدًا لترتيبات أمنية إقليمية قائمة على المصالح المشتركة". مطامع الكيان المؤقت تتخطى سوريا باتجاه تركيا ومصر والسعودية لضمان إنشاء ممر داوود، وتحقيق نبوءة الكيان "من النيل إلى الفرات".

- التقدّم في مشروع الشرق الأوسط الجديد: فرض التطبيع على دول أخرى مثل لبنان مع وجود جهود مماثلة جارية لدمج القيادة السياسية اللبنانية الجديدة في نفس التكوين السياسي. وقد صرح المبعوث الأميركي إلى سوريا توم باراك: اتفاقات السلام مع إسرائيل باتت ضرورية لسوريا ولبنان.. والحرب الإسرائيلية - الإيرانية تفتح طريقاً جديداً للشرق الأوسط". (30 حزيران 2025)

- تأجيج الفتن وزعزعة الاستقرار الإقليمي: المرجح أن يستمر الضغط والإكراه الإسرائيلي والأمريكي والغربي، ويرجح استخدام أدوات متعددة ضاغطة متنوعة مع استمرار المطالبات بتقديم تنازلات والامتثال لشروط من شأنها أن تقوّض هوية الأنظمة الممانعة بهدف ربطها فعليًا بدائرة النفوذ الإسرائيلي الغربي. قبول سوريا بالتطبيع تفرض عليها العمل بسياسات الكيان المؤقت في مواجهة دول الجوار الممانعة، لبنان والعراق، وفي سياق برنامج تهديدي لحركات المقاومة فيهما. وفي حال تحوّل سوريا إلى دولة وظيفية لحماية الكيان المؤقّت وخدمته، يرتفع احتمال نشاط "الجماعات الإرهابية" الأمني والعسكري داخل لبنان والعراق، وترتفع المخاطرة.

- زيادة مخرجات "تكتل الاعتدال العربي" في بسط الهيمنة الأميركية الإسرائيلية على المنطقة. ترامب ينظر لموضوع رفع العقوبات عن سوريا بلحاظ ما يقدمه من "دعم لأهداف الأمن القومي والسياسة الخارجية الأمريكية".

خلاصة

 يتسارع مشهد التطبيع بين الكيان المؤقت وسوريا برعاية أميركية، وبشكل خاص من قبل الرئيس ترامب، الراعي الأول لمشروع "السلام" على الطريقة "الترامبية" في المنطقة، "السلام عبر القوة". منذ اللحظات الأولى لولايته الثانية، حاول فرض سياسات دبلوماسية جديدة، يعتقد أنها قابلة للفرض القسري والإكراهي، كما لو أن المسألة بيده "كبسة زر"؛ قوموا بالحرب وأوقفوا الحرب، افرضوا العقوبات وارفعوا العقوبات، وغيرها من السياسات الابتزازية الهجينة في عالم السياسة بفعل "شخصنة" ترامب لها على قياسه. وأحدث تلك المظاهر دعم مشروع التطبيع مع سوريا برفع العقوبات وإعادة دراسة تصنيف جماعة إرهابية ووقف إعلان حالة الطوارئ في سوريا وغيرها من العوامل التي خنقت الشعب السوري على مدى سنوات.

 التطبيع اليوم حاجة وضرورة للصورة الأميركية أولًا ولصورة الكيان المؤقت ثانيًا. يحقق الاتفاق لترامب حلم "صانع السلام" ويرضي غروره، ويفرض ترميم صورة الكيان المؤقت ودوره الوظيفي المختل توازنه بعد سنتين من الحرب دون نتائج استراتيجية. الاتفاق يكشف لكل متشكك بأن المشكلة الأميركية مع دول المنطقة هي كلمة "نعم" للكيان المؤقت. وباللحظة التي قالها الرئيس الشرع، اختفت كل الذرائع والاتهامات وسحقت القوانين، بل انمحت حقبة من التاريخ بشطبة قلم من الرئيس الأميركي. قد يعتقد البعض أن الاتفاق سيحمل معه "السلام" فعلًا للمنطقة، بيد أن تداعيات الاتفاق الاستراتيجية تشير إلى خطورة المرحلة المقبلة على سوريا أولًا وعلى دول الجوار ثانيًا، وقبلهما على القضية الفلسطينية. سوريا، التاريخ والشعب، على موعد مع استحقاقات جديدة وهوية جديدة لن يكون سهلًا التكيّف معها، والمنطقة على مشارف مرحلة صراع جديدة؛ يحاول فيها الأميركي إعادة التوازن للمشروع الصهيو أميركي، لكن هذه المرة من البوابة السورية "المهترئة".





روزنامة المحور